الرجاء والخوف عمن سواه. قوله (وَلِأُتِمَ) قيل : معطوف على (لِئَلَّا) أي حوّلتكم إلى هذه القبلة لحكمتين : إحداهما انقطاع حجتهم ، والثانية إتمام النعمة بحصول شرف قبلة إبراهيم. وقيل : متعلقة محذوف معناه ولإتمامي النعمة عليكم وإرادتي اهتداءكم أمرتكم بذلك. وقيل : معطوف على علة مقدرة كأنه قال : واخشوني لأوفقكم ولأتم نعمتي عليكم وهذا الإتمام لا ينافي ما أنزل في آخر عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [المائدة : ٣] فإن لله تعالى في كل وقت نعمة على المكلفين ولها تمام بحسبها ، فهذا إتمام النعمة في أمر القبلة ، وذاك تمام النعمة في أمر الدين على الإطلاق وعن علي عليهالسلام : تمام النعمة الموت على الإسلام. وفي الحديث «تمام النعمة دخول الجنة» (١) (كَما أَرْسَلْنا) «ما» مصدرية أو كافة. ثم إن الجار والمجرور يتعلق بما قبله أو بما بعده. وعلى الأول قيل : معناه ولأتم نعمتي عليكم في الدنيا بحصول الشرف وفي الآخرة بالفوز بالثواب كما أتممتها عليكم في الدنيا بإرسال الرسول ، أو لأتم نعمتي ببيان الشرائع ، أو أهديكم إلى الدين إجابة لدعوة إبراهيم حيث قال (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا) [البقرة : ١٢٨] كما أرسلنا فيكم رسولا إجابة لدعوته حيث قال (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً) [البقرة : ١٢٩] وقيل : معناه كذلك جعلناكم أمة وسطا كما أرسلنا فيكم رسولا ، وعلى الثاني معناه كما ذكرتكم بإرسال الرسول فاذكروني أذكركم تارة أخرى. وفيه أن نعمه على العبد لا تنقطع ، فكل نعمة سابقة فسيضم إليها أخرى لاحقة حتى يكون له الفضل أولا وأخيرا وبداية ونهاية. وفي إرساله فيهم ومنهم أي من العرب نعمة عظيمة عليهم لما لهم فيه من الشرف ، ولأن المشهور من حال العرب الأنفة الشديدة من الانقياد للغير فبعثه الله تعالى من واسطتهم ليكونوا إلى القبول أقرب. وكون القرآن متلوا من أعظم النعم لأنه معجزة باقية ولأنه يتلى فتتأدى به العبادات ، ولأنه يتلى فتستفاد منه جميع العلوم ، ولأنه يتلى فيوقف على مجامع الأخلاق الحميدة ففي تلاوته خير الدنيا والآخرة. ومعنى التزكية وتعليم الكتاب والحكمة قد مر في دعاء إبراهيم. وفي قوله (يُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) تنبيه على أنه تعالى أرسله على فترة من الرسل وجهالة من الأمر وتحير الناس في أمر الديانة ، فعلمهم ما احتاجوا إليه في صلاح معاشهم ومعادهم وذلك من أعظم أنواع النعم (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) تكليف بأمرين : الذكر والشكر. وقد مر ذكر الشكر في تفسير الحمد وقوله (وَلا تَكْفُرُونِ) عطف بالواو ليعلم أن جحود النعمة منهيّ عنه كما أن الشكر مأمور به. ولو قطع على طريقة قوله :
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب الدعاء باب ٩٣. أحمد في مسنده (٥ / ٢٣١ ، ٢٣٥).