الوظائف بالصبر والصلاة. فالصبر قهر النفس على احتمال المكاره في ذات الله تعالى ، والصلاة إذا اشتملت على مواجب الخشوع والتذلل للمعبود والتدبر لآيات الوعد والوعيد والترغيب والترهيب ، انجر ذلك إلى أداء حقوق سائر الطاعات والاجتناب عن جميع الفواحش والمنكرات (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) بالنصر والتأييد ومزيد التوفيق والتسديد (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) [مريم : ٧٦] وقيل : الصبر الصوم. وقيل : الجهاد بدليل قوله (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ) أي هم أموات بل هم أحياء. وعلى الوجه الأول كأنه قيل : استعينوا بالصبر والصلاة في إقامة ديني وسلوك سبيلي ، فإن احتجتم في ذلك إلى مجاهدة عدوّي بأموالكم وأنفسكم فتلفت فإن قتلاكم أحياء عندي ، من قتله محبته فديته رؤيته. ثم إن أكثر المفسرين على أنهم أحياء في الحال ، فمن الجائز أن يجمع الله تعالى من أجزاء الشهيد جملة فيحييها ويوصل إليها النعيم وإن كانت في حجم الذرة فيرى معظم جسد الشهيد ميتا فلا يحس بحياته وإليه الإشارة بقوله (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) ومما يؤيد هذا القول الآيات الدالة على إثبات عذاب القبر (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [غافر : ٤٦] (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) [نوح : ٢٥] والفاء للتعقيب وقال صلىاللهعليهوسلم «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفرة النيران» (١). ولم يزل أرباب القلوب يزورون قبور الشهداء ويعظمونها. وقيل : المعنى لا تسموهم بالأموات وقولوا لهم الشهداء الأحياء. أو المراد : قولوا لهم أحياء في الدين وإنهم على هدى ونور من ربهم لا كما يزعم المشركون أنهم ليسوا من الدين في شيء أو لا تقولوا مثل ما يقول منكرو البعث إنهم لا ينشرون وقد ضيعوا أعمارهم ، ولكنهم سيحيون فيثابون وينعمون في الجنة. وعلى هذه الوجوه لا يبقى لتخصيص الشهداء بكونهم أحياء فائدة وكذا لقوله مع المؤمنين ولكن لا تشعرون. وقيل : إن الثواب وكذا العقاب للروح لا للقالب ، لأنه مدرك للجزئيات أيضا فلا يمتنع أن يتألم ويلتذ. ثم إنه سبحانه يرد الروح إلى البدن في القيامة الكبرى حتى يضم الأحوال الجسمانية إلى الإدراكات الروحانية. عن ابن عباس أن الآية نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر ، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار. وعن كعب بن مالك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة» (٢) أي تأكل (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) ولنصيبنكم بذلك إصابة تشبه فعل المختبر لأحوالكم هل تصبرون
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب القيامة باب ٣٦. بدون لفظ «أو حفرة من حفر النار».
(٢) رواه الترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب ١٣. الدارمي في كتاب الجهاد باب ١٨. أحمد في مسنده (٦ / ٣٨٦) بدون لفظ «حواصل».