وتثبتون على ما أنتم عليه من أداء حقوق الطاعة وتسلمون لأمر الله وحكمه ، أم تنقلبون على أعقابكم وتظهرون الجزع على استرداد ما يدكم فيه يد المستعير؟ أمر أولا بالشكر على إكمال الشرائع ، ثم بالصبر على التكاليف الدينية ، ثم حض على التثبت عند طروق النوائب وبروق المصائب ، ومعنى (بِشَيْءٍ) بيان من هذه الأشياء وأيضا لو قال «بأشياء» لأوهم أن من كل واحد من الخوف وغيره ضروبا وليس بمراد. وفيه أن كل بلاء أصاب الإنسان وإن جل ففوقه ما يقل هو بالنسبة إليه ، وفيه أن رحمته معهم في كل حال لا تزايلهم. واعلم أن كل ما يلاقيك من مكروه ومحبوب فإذا خطر ببالك وهو قد مضى سمي ذكرا وتذكرا ، وإن كان في الحال سمي ذوقا ووجدا لأنها حالة تجدها من نفسك ، وإن تعلق بالاستقبال وغلب خطوره على قلبك سمي انتظارا وتوقعا ، فإن كان المنتظر مكروها حصل منه ألم في القلب يسمى خوفا وإشفاقا ، وإن كان محبوبا سمي ذلك ارتياحا والارتياح رجاء. وأما الجوع فالمراد منه القحط وتعذر تحصيل القوت. عن عطاء والربيع بن أنس : أن المراد بهذه المخاطبة أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم بعد الهجرة وقد حصل لهم عند مكاشفة العرب خوف شديد بسبب الدين ، فكانوا لا يأمنون قصدهم إياهم واجتماعهم عليهم وقد كان من الخوف في وقعة الأحزاب ما كان (هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) [الأحزاب : ١١] وأما الجوع فقد أصابهم في أول مهاجرة النبي إلى المدينة لقلة أموالهم حتى إنه صلىاللهعليهوسلم كان يشد الحجر على بطنه. وقد روي أنه صلىاللهعليهوسلم خرج ذات يوم فالتقى مع أبي بكر فقال : ما أخرجك؟ قال : الجوع. قال : أخرجني ما أخرجك وكانوا ينفقون أموالهم في الاستعداد للجهاد ثم يقتلون. فهناك يحصل النقص في المال والنفس ، وقد يحصل الجوع في سفر الجهاد عند فناء الزاد (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ) إلى قوله (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) [التوبة : ١٢٠] وقد يكون النقص في النفس بموت الإخوان والأخدان. وإما نقص الثمرات فقد يكون بالجدوب وقد يكون بترك عمارة الضياع للاشتغال بالجهاد. وعن الشافعي : الخوف خوف الله ، والجوع صيام شهر رمضان ، والنقص من الأموال الزكوات والصدقات ، ومن الأنفس الأمراض ، ومن الثمرات موت الأولاد. قال صلىاللهعليهوسلم «إذا مات ولد العبد قال الله تعالى للملائكة أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون : نعم. فيقول : أقبضتم ثمرة قلبه؟ فيقولون : نعم. فيقول الله تعالى : ماذا قال عبدي؟ فيقولون : حمدك واسترجع فيقول الله : «ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد» (١)
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب الجنائز باب ٣٦.