أي افعلوا الصيام تاما إلى الليل وهذا أولى من تقدير أنكم إذا شرعتم فيه فأتموه ، لأن الأصل عدم إضمار هذا الشرط ، ولأن المفسرين أجمعوا على أن هذه أول آية نزلت في الحج ، فحملها على الإيجاب ليكون تأسيسا أولى من حملها على الإتمام بشرط الشروع ، فإنها تكون حينئذ تبعا ، ولأنه قرىء أقيموا الحج والعمرة والشاذ يصلح للترجيح وإن لم يصلح للقطع كخبر الواحد ، ولأن الوجوب المطلق يستلزم الإتمام ، والإتمام بشرط الشروع لا يستلزم أصل الوجوب. فتأويلنا أكثر فائدة ، فيكون أولى. وأيضا أنه أحوط. واعتمر النبي صلىاللهعليهوسلم قبل الحج ، ولو لم تكن العمرة واجبة لكان الأشبه أن يبادر إلى الحج الذي هو واجب. وقال تعالى (يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) [التوبة : ٣] وفيه دليل على وجود حج أصغر وما ذاك إلا العمرة بالاتفاق. لكن الحج واجب على الإطلاق لقوله (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران : ٩٧] فيدخل فيه الأكبر والأصغر.
حجة أبي حنيفة قصة الأعرابي الذي سأل النبي صلىاللهعليهوسلم عن أركان الإسلام فعلمه الصلاة والزكاة والحج والصوم فقال الأعرابي : لا أزيد على هذا ولا أنقص. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : أفلح الأعرابي إن صدق. وقال صلىاللهعليهوسلم : «بني الإسلام على خمس» (١) الحديث. ولم يذكر العمرة. وأجيب بأن العمرة حج أصغر فتدخل في مطلق الحج قالوا : روي عن جابر أن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل عن العمرة أواجبة هي أم لا؟ فقال : لا ، وأن تعتمر خير لك. وعن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم «الحج جهاد والعمرة تطوع» (٢) وأجيب بأنها أخبار آحاد فلا تعارض القرآن. وأيضا لعل العمرة ، ما كانت واجبة حينما ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم تلك الأحاديث ، ثم نزل بعدها (وَأَتِمُّوا الْحَجَ) وذلك في السنة السابعة من الهجرة. وأيضا إنها معارضة بأخبار تدل على وجوبها. روى النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين أنه سأل النبي صلىاللهعليهوسلم قال : إن أبي شيخ كبير أدرك الإسلام ولا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن ، قال صلىاللهعليهوسلم : حج عن أبيك واعتمر أمر بهما والأمر للوجوب. وروي عن ابن عباس أنه قال : إن العمرة لقرينة الحج ، وحمله على أنهما يقترنان في الذكر تكلف. وعن عمر أن رجلا قال له : إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ أهللت بهما جميعا فقال : هديت لسنة نبيك وحمله على أن الوجوب مستفاد من الإهلال بهما لا يخلو من تعسف. قالوا : قرأ علي وابن مسعود والشعبي (وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) بالرفع. فكأنهم قصدوا بذلك إخراجها عن حكم الحج في
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الإيمان باب ١ ، ٢. مسلم في كتاب الإيمان حديث ٢٠ ، ٢١. الترمذي في كتاب الإيمان باب ٣. النسائي في كتاب الإيمان باب ١٣. أحمد في مسنده (٢ / ٢٦ ، ٩٣).
(٢) رواه ابن ماجه في كتاب المناسك باب ٤٤.