الوجوب. وأجيب بأن الشاذة لا تعارض المتواترة ، وبأنها ضعيفة من حيث العربية لعطف الاسمية على الفعلية ، والخبرية على الطلبية ، وبأن كون العمرة عبادة لله لا ينافي وجوبها. واعلم أن لأداء النسكين وجوها ثلاثة : الإفراد والتمتع والقران فالإفراد أن يحج ثم بعد الفراغ منه يعتمر من أدنى الحل ، أو يعتمر قبل أشهر الحج ثم يحج في تلك السنة. والقران أن يحرم بالحج والعمرة معا في أشهر الحج بأن ينويهما بقلبه معا ، وكذلك لو أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم قبل الطواف أدخل الحج عليها يصير قارنا. والتمتع هو أن يحرم بالعمرة من ميقات بلده في أشهر الحج ويأتي بأعمالها ، ثم يحج في هذه السنة من مكة. سمي تمتعا لاستمتاعه بمحظورات الإحرام بينهما بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج ، وأنه أيضا يربح ميقاتا لأنه لو أحرم بالحج من ميقات بلده لكان يحتاج بعد فراغه من الحج إلى أن يخرج إلى أدنى الحل فيحرم بالعمرة منه ، وإذا تمتع استغنى عن الخروج لأنه يحرم بالحج من جوف مكة. ولا خلاف بين أئمة الأمة في جواز هذه الوجوه ، وإنما الخلاف في الأفضلية فقال الشافعي : أفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القران. وقال في اختلاف الحديث : التمتع أفضل من الإفراد وبه قال مالك. والإمامية قالوا : لا يجوز لغير حاضري المسجد الحرام العدول عن التمتع إلا لضرورة. وقال أبو حنيفة ، القران أفضل ثم الإفراد ثم التمتع. وهو قول المزني وأبي إسحق المروزي. وقال أبو يوسف ومحمد : القران أفضل ثم التمتع ثم الإفراد. حجة الشافعي في أفضلية الإفراد قوله (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وذلك أن العطف يقتضي المغايرة وأنها تحصل عند الإفراد ، فأما عند القران فالموجود شيء واحد هو حج وعمرة معا. وأيضا الأعمال عند الإفراد أكثر فيكون الثواب أكثر وذلك هو الفضل. وما روي عن أنس أنه قال : كنت واقفا عند جران ناقة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان لعابها يسيل على كتفي فسمعته يقول : لبيك بعمرة وحجة معا. معارض بما روى مسلم في صحيحه عن عائشة أن النبي صلىاللهعليهوسلم أفرد بالحج ، وهكذا روى جابر وابن عمر. وقد رجح الشافعي رواية عائشة وجابر وابن عمر على رواية أنس بأنهم أعلم وأقرب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأقدم صحبة ، أن أنسا كان صغيرا في ذلك الوقت قليل العلم.
حجة القائلين بأفضلية القران : أن في القران مسارعة إلى النسكين ، وفي الإفراد ترك المسارعة إلى أحدهما ، فيكون أفضل لقوله (وَسارِعُوا) [آل عمران : ١٣٣] وأجيب بأنا لا نقول الحجة المفردة بلا عمرة أفضل من الحجة المقرونة ، لكنا نقول : من أتى بالحج في وقته ثم بالعمرة في وقتها ، فمجموع هذين الأمرين أفضل من الإتيان بالحجة المقرونة ، واختلف في تفسير الإتمام في قوله تعالى (وَأَتِمُّوا). فعن علي رضياللهعنه وابن عباس