لإنكارهم البعث والمعاد. وعن أنس : كانوا يقولون : اسقنا المطر وأعطنا على عدوّنا الظفر ، ويحكى عن أبي علي الدقاق أنه قال : أهل النار يستغيثون ثم يقولون : أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله في الدنيا. طلب المأكول والمشروب وفي النار طلب المأكول والمشروب ، فلما غلبتهم شهواتهم افتضحوا في الدنيا والآخرة وقال الآخرون. يحتمل أن يكونوا مسلمين وعوقبوا لأنهم سألوا الله في أعظم المواقف وأشرف المشاهد أخس البضائع وأدون المطالب المشبه تارة بكنيف وأخرى بأحقر من جناح بعوضة ، معرضين عن العيش الباقي والنعيم المقيم. وقوله (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) متروك المفعول الثاني لأنه كالمعلوم ، ويحتمل أن يكون من قولهم «فلان معط» أي موجد الإعطاء ، معناه اجعل إعطاءنا في الدنيا خاصة. واعلم أن مطامح النفس في الدنيا إحدى ثلاث خصال : روحانية هي تكميل القوة النظرية بالعلم وتتميم القوّة العملية بتحصيل الأخلاق الفاضلة ، وبدنية هي الصحة والجمال ، وخارجية هي الجاه والمال. وكل من لا يؤمن بالبعث فإنه لا يطلب فضيلة روحانية ولا جسمانية إلا لأجل الدنيا. فيطلب العلم لأجل الترفع على الأقران ويكتسب الأخلاق لتدبير الأمور المنزلية والمدنية. فلما قال عز من قائل (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) أي طلب نصيب حذف مفعول (آتِنا) لأن كل من ليس له في الآخرة طلب ، ولا لهمته إلى اقتناء السعادات الباقيات نزاع وطموح ، فمطلوبه عبث وسفه ووبال وضلال أي شيء فرضت علما وعملا روحانيا أو جسمانيا. اللهم اجعلنا ممن لا ينظر في أي شيء بنظر إلا إليك ، ولا يرغب في كل ما يرغب إلا لأجل ما لديك إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. ثم إنه سبحانه لم يذكر في هذه الآية أن هذا الفريق مجابة دعوتهم أولا. فقال طائفة من العلماء : إنهم ليسوا بأهل للإجابة ، لأن كون الإنسان مجاب الدعوة صفة مدح ولا يليق إلا بأولياء الله والمرتضين من عباده وقال آخرون قد يكون الإنسان مجابا لا كرامة واجتباء بل مكرا واستدراجا ويؤيده قوله سبحانه (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) [الشورى : ٢٠] وعلى هذا يصح أن يقال في الآية إضمار أي يقول : ربنا آتنا في الدنيا فيؤتيه الله في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق. لأن همته مقصورة على الدنيا. والحسنتان في دعاء الصالحين. أما في الدنيا فالصحة والأمن والكفاية والولد الصالح والزوجة الصالحة والنصرة على الأعداء ، وقد سمى الله تعالى الخصب والسعة في الرزق وما أشبه ذلك حسنة (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) [التوبة : ٥٠] (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) [التوبة : ٥٢] قيل : إما النصرة وإما الشهادة. وأما في الآخرة فالفوز