وقوعه على المفعول ، واعتبار صدوره عن الفاعل. وذلك الفعل بأحد الاعتبارين مغاير له بالاعتبار الآخر. وإنما لزم اعتبار الفعل هاهنا من جهة وقوعه على المفعول لأنّ الآباء المفضل عليهم المذكورون لا الذاكرون. ويحتمل أن يقال : المعنى فاذكروا الله ذكرا مثل ذكركم آباءكم أو أشد ذكرا. ولكن برد عليه أن أفعل إنما يضاف إلى ما بعده إذا كان من جنس ما قبله كقولك : «وجهك أحسن وجه» أي أحسن الوجوه. فإذا نصب ما بعده كان غير الذي قبله كقوله «زيد أفره عبدا». فالفراهة للعبد لا لزيد. والمذكور قبل (أَشَدَّ) هاهنا هو الذكر والذكر لا يذكر حتى يقال «أشد ذكرا إنما قياسه أن يقال : الذكر أشد ذكر جرا إضافة. وفيه وجه نصبه على ما قال أبو علي أن يجعل الذكر ذاكرا مجازا. ويجوز نسبة الذكر إلى الذكر بأن يسمع إنسان الذكر فيذكر ، فكأن الذكر قد ذكر لحدوثه بسببه وعلى جميع الوجوه. فمعنى «أو» هاهنا ليس هو التشكيك وإنما المراد به النقل عن الشيء إلى ما هو أقرب وأولى كقول رجل لغيره «افعل هذا إلى شهر أو أسرع منه». وإنما أمر الله تعالى أن يكون ذكره أشد لأن مفاخر آبائهم متناهية وصفاته الكمالية غير متناهية ، وتلك مشكوكة وهذه متيقنة ، وغاية الأول تضييع وحرمان ، ولازم الثاني نور وبرهان. ثم إنه تعالى بعد ما أمر بالعبادة تصفية للنفس وتخلية لها عن ظلمات الكبر والضلال وأمر عقيب ذلك بتنوير الباطن بنور الجلال والجمال بكثرة الاشتغال بذكر الكبير المتعال ، نبه على حسن طلب مزيد الإنعام والإفضال فذكر أن الناس فريقان : منهم من قصر دعاءه على طلب اللذات العاجلة ، ومنهم من أضاف إلى ذلك الطلب نعيم الآخرة وأهمل القسم الثالث وهو أن يكون دعاؤه مقصورا على طلب الآخرة تنبيها على أن ذلك غير مشروع ومن حقه أن لا يوجد ، فإن الإنسان خلق ضعيفا لا طاقة له بآلام الدنيا ولا بعذاب النار. فالأولى به أن يستعيذ بربه من آفات الدنيا الآخرة. عن أنس أن النبي صلىاللهعليهوسلم دخل على رجل يعوده وقد أنهكه المرض فقال له : ما كنت تدعو الله به؟ قال : كنت أقول : اللهم إذا كنت تعاقبني به في الآخرة فعجلنيه في الدنيا فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : سبحان الله إنك لا تطيق ذلك ألا قلت : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؟ فدعا له رسول الله صلىاللهعليهوسلم فشفي. والإنصاف أنه سبحانه لو سلط الألم على عرق واحد في البدن أو على منبت شعرة واحدة عجز الإنسان عن الصبر عليه ، وقد يفضي ذلك به إلى الجزع ويعوقه عن اكتساب الكمالات ، ويحمله على إهمال وظائف الطاعات ، ومن ذا الذي يستغني عن إمداد الله إياه في دنياه وعقباه؟! ثم المقصرون في الدعاء على طلب الدنيا من هم؟ عن ابن عباس : أنهم المشركون كانوا يقولون إذا وقفوا : اللهم ارزقنا إبلا وبقرا وغنما وإماء وعبيدا. وذلك