يكون ذكرهم لربهم لا لآبائهم. ثم الفاء في قوله (فَاذْكُرُوا اللهَ) تدل على أن الفراغ من المناسك يوجب هذا الذكر فلهذا قيل : هو الذكر على الذبيحة ، وقيل : هو التكبيرات بعد الصلاة في أيام النحر والتشريق وقيل : هو الإقبال على الدعاء والاستغفار بعد الفراغ من الحج كالأدعية المأثورة عقيب الصلوات المكتوبة. وقيل : معناه فإذا قضيتم مناسككم وأزلتم آثار البشرية وقهرتم القوى الطبيعية وأمطتم الأذى من طريق السلوك ، فاشتغلوا بعد ذلك بتنوير القلب بذكر الله فإن التخلية ليست مقصودة بالذات ، وإنما الغرض منها التخلية بمواجب السعادات الباقيات ، فالأولى نفي والثاني إثبات. ومعنى (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) توفروا على ذكر الله كما كنتم تتوفرون على ذكر الآباء ، وأقيموا الثناء على الله مقام تعداد مفاخر الآباء فإنه إن كان كذبا أوجب الدناءة في الدنيا والعقوبة في العقبى ، وإن كان صدقا استتبع العجب والتباهي ، وإن كانوا يذكرون الآباء ليتوسلوا بذلك إلى إجابة الدعاء فالإقبال بالكلية على مولي النعماء أولى مع أن حسنات آبائهم محبطة لسبب إشراكهم. وعن الضحاك والربيع : اذكروا الله كذكركم آباءكم وأمهاتكم وذلك قول الصبي أول ما ينطق «أبه أبه أمه أمه» أي كونوا مواظبين على ذكر الله كما يكون الصبي في صغره مواظبا على ذكر أبيه وأمه ، فاكتفي بالآباء عن الأمهات كقوله (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] وقال أبو مسلم : جرى ذكر الآباء مثلا لدوام الذكر. والمعنى : كما أن الرجل لا ينسى ذكر أبيه فكذلك يجب أن لا يغفل عن ذكر الله. وقال ابن الأنباري : العرب أكثر أقسامها في الجاهلية بالآباء فقال تعالى : عظموا الله كتعظيمكم آباءكم. وقد نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الحلف بالآباء وقال «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» (١) وقيل : اذكروا الله بالوحدانية كذكركم آباءكم بالوحدانية فإن الواحد منكم لو نسب إلى والدين تأذى منه واستنكف. وقيل : كما أن الطفل يرجع إلى أبيه في طلب المهمات وكفاية الملمات فكونوا أنتم في ذكر الله كذلك. وعن ابن عباس معنى الآية أن تغضب لله إذا عصي أشد من غضبك لوالدك إذا ذكر بسوء. وقوله (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) إما في موضع جر عطفا على ما أضيف إليه الذكر في قوله (كَذِكْرِكُمْ) كما تقول «كذكر قريش آباءهم أو قوم أشد منهم ذكرا. وإما في موضع نصف عطفا على (آباءَكُمْ) بمعنى أو أشد ذكرا من آبائكم على أن (ذِكْراً) من فعل المذكور وهو الآباء لا فعل الذاكر وهو الأبناء ، فإن الذكر بل كل فعل معتد له اعتبارات اعتبار
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار باب ٢٦. أبو داود في كتاب الأيمان باب ٤. الترمذي في كتاب النذور باب ٩. النسائي في كتاب الأيمان باب ٤. ابن ماجه في كتاب الكفارات باب ٢. الدارمي في كتاب النذور باب ٦. الموطأ في كتاب النذور حديث ١٤.