إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام. وأورد على هذا القول أن استعمال «حيث» للزمان قليل ، ويمكن أن يجاب بأن القرآن أولى ما يحتج به. وعن الزهري : أن الناس في هذه الآية آدم عليهالسلام واحتج بقراءة سعيد بن جبير (مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) بكسر السين اكتفاء من الياء بالكسرة من قوله (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) [طه : ١١٥] والمعنى : أن الإفاضة من عرفات شرع قديم فلا تتركوه. (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) من مخالفتكم في الموقف ونحو ذلك من جاهليتكم ، وليكن الاستغفار باللسان مع التوبة بالقلب وهي أن يندم على كل تقصير منه في طاعة الله ويعزم أن لا يقصر فيما بعده ابتغاء لمرضاة الله لا للمنافع العاجلة. والاستغفار بالحقيقة يجب على كل مكلف وإن لم يعلم من ظاهر حاله خطيئة فإن النقص لازم الإمكان ، والقصور من خصائص الإنسان وكيف لا وقد قالت الملائكة وإنهم أرفع حالا ما عبدناك حق عبادتك. وصورة الاستغفار على ما روى البخاري في صحيحه عن شداد بن أوس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «سيد الاستغفار أن يقول العبد اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك وأبوء بذنبي فاغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» (١) ولو اقتصر على قوله «أستغفر الله» كفى. ولو زاد فقال : اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك وأنت التواب الرحيم. أو قال : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ذا الجلال والإكرام. من كل ذنب أذنبته ومعصية ارتكبتها ، وأتوب إليه من الذنب الذي أعلم ومن الذي لا أعلم كان حسنا.
(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بناءان للمبالغة كما مر مرارا. واختلف أهل العلم في المغفرة الموعودة في هذه الآية. فمن قائل إنها عند الدفع من عرفات إلى جمع بناء على القول الأول في الإفاضة ، ومن قائل إنها عند الدفع من جمع إلى منى بناء على القول الآخر.
قوله عز من قائل (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) أي فرغتم من عباداتكم التي أمرتم بها في الحج ، أو من أعمال مناسككم إذ المناسك جمع المنسك. وأنه يحتمل أن يكون مصدرا وأن يكون اسم مكان. وعن مجاهد أن قضاء المناسك هو إراقة الدماء. عن ابن عباس : أن العرب كانوا إذا فرغوا من حجهم بعد أيام التشريق يقفون بين مسجد منى وبين الجبل ويذكر كل واحد منهم فضائل آبائه في السماحة والحماسة وصلة الرحم ويتناشدون فيها الأشعار وغرضهم الشهرة والترفع بمآثر سلفهم. فلما أنعم الله عليهم بالإسلام أمرهم أن
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الدعوات باب ٢ ، ١٦. الترمذي في كتاب الدعوات باب ١٥ النسائي في كتاب الاستعاذة باب ٥٧. أحمد في مسنده (٤ / ١٢٢).