من الغد وذلك قوله تعالى (فَمَنْ تَعَجَّلَ) أي عجل أو استعجل (فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ومن لم ينفر حتى غربت الشمس فعليه أن يبيت الليلة الثالثة ويرمي يومها ، وبه قال أحمد ومالك والشافعي. وعند أبي حنيفة يسوغ النفر ما لم يطلع الفجر ، فإذا طلع لزم التأخر إلى تمام الأيام الثلاثة وذلك قوله تعالى (وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى) قال في الكشاف : تعجل واستعجل يجيئان متعديين مثل تعجل الذهاب واستعجله ، ويجيئان مطاوعين بمعنى عجل وهذا أوفق لقوله (وَمَنْ تَأَخَّرَ) والرمي في اليوم الثالث يجوز تقديمه على الزوال عند أبي حنيفة. وعند الشافعي لا يجوز كسائر الأيام. وقد سئل هاهنا أن المتأخر قد استوفى ما عليه من العمل فكيف ورد في حقه (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) وهذا إنما يقال في حق المقصر الذي يظن أنه قد رهقه آثام فيما أقدم عليه. فأجيب بأن الرخصة قد تكون عزيمة كالقصر عند أبي حنيفة والشيعة لا يجوز في السفر غيره ، فلمكان هذا الاحتمال رفع الحرج في الاستعجال والتأخر دلالة على أن الحاج مخير بين الأمرين ، أو بأن أهل الجاهلية كانوا فريقين : منهم من يجعل المتعجل آثما ، ومنهم من يجعل المتأخر آثما مخالفا لسنة الحج ، فبيّن الله تعالى أن لا إثم على واحد منهما. وقيل : إن المعنى في إزالة الإثم عن المتأخر إنما هو لمن زاد على مقام الثلاثة. فكأنه قيل : إن أيام منى التي ينبغي المقام بها فيها ثلاثة ، فمن نقص فلا إثم عليه ، ومن زاد على الثلاثة ولم ينفر مع عامة الناس فلا شيء عليه. وقيل : إن الآية سيقت لبيان أن الحج مكفر للذنوب والآثام لا لبيان أن التعجل وتركه سيان كما أن الإنسان إذا تناول الترياق فالطبيب يقول له : الآن إذا تناولت السم فلا بأس ، وإن لم تتناول فلا بأس ، يريد أن الترياق دواء كامل في دفع المضار لا أن تناول السم وعدم تناوله يجريان مجرى واحدا. وقيل : إن جوار البيت مكروه عند كثير من العلماء لأن ذلك قد يفضي إلى نقص حشمة البيت ووقعه في قلبه وعينه فأمكن أن يختلج في قلب أحد أن التعجيل أفضل بناء على هذا المعنى ، ولما في التعجل من المسارعة إلى طواف الزيارة ، فبيّن تعالى أنه لا حرج في واحد منهما. وقال الواحدي : هذا من باب رعاية المقابلة والمشاكلة مثل (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] بل هاهنا أولى لأن المندوب يصدق عليه أنه لا إثم على صاحبه فيه ، وجزاء السيئة ليس بسيئة أصلا. وأما قوله تعالى (لِمَنِ اتَّقى) أي ذلك التخيير ونفي الإثم عن المتعجل والمتأخر لأجل الحاج المتقي كيلا يتخالج في قلبه إثم منهما فإن ذا التقوى متحرز من كل ما يريبه. وقيل : معناه أن هذه المغفرة إنما تحصل لمن كان متقيا قبل حجه كقوله (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة : ٢٧] أو لمن كان متقيا عن جميع المحظورات حال اشتغاله بالحج. وقوله