التفسير : لما آل أمر بيان الحج إلى تعديد فرق الناس بحسب أغراضهم في الدعاء ، ناسب أن يعطف على ذلك تقسيم آخر يعرف منه مطامح أنظار الناس على الإطلاق ليعرف أرباب النفاق. من أصحاب الوفاق. عن السدي : نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي وهو حليف بني زهرة. أقبل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم بالمدينة فأظهر له الإسلام وزعم أنه يحبه وقال : والله يعلم أني لصادق. فلما خرج من عند النبي صلىاللهعليهوسلم مر بزرع لقوم من المسلمين وحمر ، فأحرق الزرع وعقر الحمر. وقيل : إنه أشار على بني زهرة بالرجوع يوم بدر وقال لهم : إن محمدا ابن أختكم فإن يك كاذبا كفاكموه سائر الناس ، وإن يك صادقا كنتم أسعد الناس به. فقالوا : نعم الرأي ما رأيت. ثم خنس بثلاثمائة رجل من بني زهرة عن قتال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسمى بهذا السبب أخنس ـ وكان اسمه أبي بن شريق ـ فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأعجبه. وعن ابن عباس والضحاك : أن كفار قريش بعثوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم أنا قد أسلمنا فابعث إلينا نفرا من علماء أصحابك فبعث إليهم جماعة ، فلما كانوا ببعض الطريق ركب من الكفار سبعون راكبا فأحاطوا بهم فقتلوهم وصلبوهم ففيهم نزلت. وقوله بعد ذلك (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي) إشارة إلى هؤلاء الشهداء. واختيار المحققين من المفسرين أنه لا يمتنع أن تكون الآية نازلة في الرجل ثم تكون عامة في أمثاله. فهذه الآية عامة في المنافقين ، فإن ألسنتهم تحلو لي وقلوبهم أمر من الصبر. والضمير في (يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ) يعود إلى «من» ويحتمل أن يكون جمعا ولكنه أفرد نظرا إلى اللفظ. ومعنى يعجبك يروقك ويعظم في قلبك و (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) إما أن يتعلق بقوله أي يعجبك ما يقوله في باب الدنيا طلبا للمصالح العاجلة فقط كالأمان من القتل والأخذ من المغانم ، وإما أن يتعلق بيعجبك لأن قوله وحلو كلامه إنما يعجب السامع في الدنيا ولا يعجبه في الآخرة لما يرهقه في الموقف من الهيبة والحيرة ، أو لأنه لا يؤذن له في الكلام. والخطاب إما للنبي صلىاللهعليهوسلم ، أو لكل سامع. (وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ) يحتمل أن يكون ذلك الاستشهاد بالحلف ، وأن يكون بقوله «شهد الله على ما في قلبي من محبتك ومن الإسلام». (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) الألد الشديد الخصومة ، واللديدان جانبا الوادي. كأن كلا من المتخاصمين في جانب. ومنه اللدود وهو ما يصب من الأدوية في أحد شقي الفم. وإضافة الألد بمعنى «في» كقولهم «ثبت الغدر» و «قتيل الصف» أو جعل الخصام ألد على المبالغة نحو «جد جده». والخصام جمع خصم كصعاب في صعب. والمعنى : هو أشد الخصوم خصومة. والحاصل إنه جدل بالباطل شديد الفسوق في معصية الله عالم اللسان جاهل العمل ، وإذا تولى عنك وذهب بعد إلانة القول وإحلاء المنطق سعى في الأرض ليفسد فيها كما فعل بأولئك المسلمين من إحراق الزروع