وعقر المواشي. وأصل السعي المشي بسرعة ، وقد يستعار لإيقاع الفتنة والتخريب بين الناس. وقيل : لما انصرف من بدر مر ببني زهرة وكان بينه وبين ثقيف خصومة ، فبيتهم ليلا وأهلك مواشيهم وأحرق زروعهم ، وعلى هذا فيقع قوله (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) تفصيلا لما أجمله قوله (لِيُفْسِدَ) وقيل : إفساده هو إلقاء الشبه في عقائد المسلمين ، وعلى هذا فيكون إهلاك الحرث والنسل بمعنى آخر. وهذا تفسير مناسب لأن كمال الإنسان بالعلم والعمل ونقصه بضدهما ، فيكون الإفساد إشارة إلى نقص قوّته النظرية والإهلاك عبارة عن فعل المنكرات وفيه نقصان قوّته العملية. وقيل : (وَإِذا تَوَلَّى) أي إذا كان واليا فعل ما يفعله ولاة السوء من الفساد في الأرض بإهلاك الحرث والنسل. وقيل : يظهر الظلم حتى يمنع الله بشؤم ظلمه القطر فيهلك الحرث والنسل. فالحرث الزرع ، والنسل الولد. ونسلت الناقة بولد كثير ، والتركيب يدل على الخروج. وقيل : إهلاك الحرث قتل النسوان (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) [البقرة : ٢٢٣] وإهلاك النسل إفناء الصبيان (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) قالت المعتزلة : معناه لا يريد الفساد. وفيه دليل على أنه يريد القبائح وإذا لم يردها لم يخلقها لأن الخلق لا يمكن إلا بالإرادة. ومنع من أن المحبة نفس الإرادة ، بل المحبة عبارة عن مدح الشيء وذكره بالتعظيم. ثم الدليل الدال على أن لا مرجح لأحد جانبي كل ممكن على الآخر إلا الله وإلا انسد باب إثبات الصانع يدل على أن الكل بإرادته ومشيئته ، وقد مر تحقيق ذلك فيما سلف. واعلم أنه سبحانه حكى عن المنافق جملة من الأفعال الذميمة.أولها حسن كلامه في طلب الدنيا ، وثانيها استشهاده بالله كذبا وبهتانا ، وثالثها لحاجة في إبطال الحق وإثبات الباطل ، ورابعها سعيه في الأرض للإفساد ، وخامسها سعيه في إهلاك الحرث والنسل. فوقع قوله (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) جمله معترضة. ثم ذكر خصلة سادسة أشنع من الكل دالة على جهله المركب وخروجه عن أن يرجى منه خير وذلك مثله (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ) في ارتكاب شيء من هذه المنهيات. والقائل إما الرسول صلىاللهعليهوسلم قولا خاصا أو عاما لجميع المكلفين فيدخل المنافق فيه ، وإما كل واعظ وناصح (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) من قولهم «أخذت فلانا بأن يفعل كذا» أي ألزمته ذلك وحملته عليه أي أخذته الغلبة والاستيلاء والأنفة وحمية الجاهلية أن يعمل الإثم ، وذلك الإثم هو ترك الالتفات إلى هذا الوعظ وعدم الإصغاء إليه ، أو من قوله «أخذته الحمى» أي لزمته ، و «أخذه الكبر» أي اعتراه ذلك والمعنى لزمته العزة الحاصلة بسبب الإثم الذي في قلبه ، وذلك الإثم هو الكفر والجهل وعدم النظر في الدلائل (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) كافية هي جزاء له يستوي فيه الواحد والجمع والتثنية والمذكر والمؤنث لأنه مصدر. ورفعه على الخبرية أو على الابتداء إذا كان ما بعده