النار. قال : وأصلها تورية بفتح التاء والراء ولهذا قلبت الياء ألفا. أو تورية بكسر الراء «تفعلة» مثل «توفية» إلا أن الراء فتحت على لغة طي فإنهم يقولون في بادية «بأداة». وزعم الخليل والبصريون أن أصلها «وورية» «فوعلة» كصومعة فقلبت الواو الأولى تاء كتجاه وتراث. وأما الإنجيل فالزجاج : إفعيل من النجل الأصل أي هو الأصل المرجوع إليه في ذلك الدين. وقيل : من نجلت الشيء استخرجته أي إنه تعالى أظهر الحق بسببه. أبو عمرو الشيباني : التناجل التنازع سمي بذلك لأن القوم تنازعوا فيه. ومعنى قوله (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل أن ينزل القرآن. و (هُدىً لِلنَّاسِ) إما أن يكون عائدا إلى الكتابين فقط فيكون قد وصف القرآن بأنه حق ، ووصف التوراة والإنجيل بأنهما هدى. وإنما لم يوصف القرآن بأنه هدى مع أنه قال في أول البقرة (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] لأن المناظرة هاهنا مع النصارى وهم لا يهتدون بالقرآن ، فذكر أنه حق في نفسه سواء قبلوه أو لم يقبلوه ، وأما الكتابان فهم قائلون بصحتهما فخصهما بالهداية لذلك ، وإما أن يكون راجعا إلى الكتب الثلاثة وهو قول الأكثرين. (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) قيل : أي جنس الكتب السماوية لأنها كلها تفرق بين الحق والباطل. وقيل : أي الكتب التي ذكرها كأنه وصفها بوصف آخر فيكون كما قال :
الى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
وقيل : أي الكتاب الرابع وهو الزبور ، وزيف بأن الزبور ليس فيه شيء من الشرائع والأحكام وإنما هو مواعظ ، ويحتمل أن يجاب بأن غاية المواعظ هي التزام الأحكام المعلومة فيؤل إلى ذلك. وقيل : كرر ذكر القرآن بما هو مدح له ونعت بعد ذكره باسم الجنس تفخيما لشأنه وإظهارا لفضله. وفي التفسير الكبير : إنه تعالى لما ذكر الكتب الثلاثة بيّن أنه أنزل معها ما هو الفرقان الحق وهو المعجز الباهر الذي يدل على صحتها ، ويفيد الفرق بينها وبين كلام المخلوقين. ثم إنه تعالى بعد ذكر الإلهيات والنبوات زجرا لمعرضين عن هذه الدلائل وهم أولئك النصارى أو كل من أعرض عن دلائله فإن خصوص السبب لا يمنع عموم اللفظ فقال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) من كتبه المنزلة وغيرها من دلائله (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ) لا يغالب إذ لا حد لقدرته (ذُو انْتِقامٍ) عقاب شديد لا يقدر على مثله منتقم. فالتنكير للتعظيم. وانتقمت منه إذا كافأته عقوبة بما صنع. فالعزيز إشارة إلى القدرة التامة على العقاب ، وذو انتقام إشارة إلى كونه فاعلا للعقاب. فالأول صفة الذات ، والثاني صفة الفعل.
قوله سبحانه (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ) لما ذكر أنه حيّ قيوم والقيوم هو القائم بإصلاح مصالح الخلق ، وكونه كذلك يتوقف على مجموع أمرين : أن يكون عالما بكميات