في العلم والجهل والفطانة والبلادة والهداية والغواية واقطع بأن كل ذلك عدل وقسط ، فإن الإنسان بل كل ما سوى الله تعالى لم يخلق مستعدا لإدراك تفاصيل كلمات الله. فالخوض في ذلك خوض فيما لا يعنيه بل لا يسعه ولا ينفعه إلا العلم الإجمالي بأنه تعالى واحد في ملكه ، وملكه لا منازع له فيه ولا مضاد ولا مانع لقضائه ولا راد ، وأن الكل بقضائه وقدره ، وفي كل واحد من مصنوعاته ولكل شيء من أفعاله حكم ومصالح لا يحيط بذلك علما إلا موجده وخالقه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. هذا هو الدين القويم والاعتقاد المستقيم ، والعدول عنه مراء ، والجدال فيه هراء. فمن نسبه إلى الجور في فعل من الأفعال فهو الجائر لا على غيره بل على نفسه إذ لا يعترف بجهله وقصوره ، ولكن ينسب ذلك إلى علام الخفيات والمطلع على الكليات والجزئيات من أزل الآزال إلى أبد الآباد. ومن زعم أن شيئا من الأشياء خيرا أو شرا في اعتقاده حسنا أو قبيحا بحسب نظره خارج عن مشيئته وإرادته فقد كذب ابن أخت خالته ، لأنه يدعي التوحيد ثم يثبت قادرا آخر أو خالقا غير الله تعالى ، ولا خالق إلا هو ، فلهذا كرر مضمون الشهادة وقال : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) والتقدير : شهد الله أنه لا إله إلا هو. وإذا شهد بذلك فقد صح أنه لا إله إلا هو كقولك : الدليل دل على وحدانية الله ، ومتى كان كذلك فقد صح القول بوحدانية الله. وفيه إيقاظ لأمة محمد أن يقولوا على وفق شهادة الله والملائكة وأولي العلم (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وإعلام بأن هذه الكلمة يجب أن يكررها المسلم ما أمكنه.
هو المسك ما كررته يتضوّع
ثم أكد كونه منفردا بالألوهية وقائما بالعدل بقوله : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فالعزيز إشارة إلى كمال القدرة ، والحكيم إشارة إلى كمال العلم. ولا تتم القدرة إلا بالتفرد والاستقلال ، ولا العدالة إلا بالاطلاع على المصالح والأحوال (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) جملة مستأنفة مؤكدة للأولى. والدين في اللغة الجزاء ثم الطاعة. سميت دينا لأنها سبب الجزاء. والإسلام في اللغة الانقياد والدخول في السلم أو في السلامة أو في إخلاص العبادة من قولهم : «سلم له الشيء» أي خلص له. والإسلام في عرف الشرع يطلق تارة على الإقرار باللسان في الظاهر ومنه قوله تعالى : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) [الحجرات : ١٧] ويطلق أخرى على الانقياد الكلي وهو المراد هاهنا. وفيه إيذان بأن الدين هو العدل والتوحيد. أما التوحيد فأن يعلم أن الله تعالى لا شريك له ولا نظير في الذات ولا في صفة من الصفات كما شهد هو به ، وأما العدل فهو أن يعلم أن كل ما خلق وأمر المكلف به ونهاه