التفسير : إنه سبحانه لما ذكر من طريقة المعاندين ما ذكر ، علم نبيه صلىاللهعليهوسلم طريقة مباينة لطريقتهم من كيفية التمجيد والتعظيم فقال : (قُلِ اللهُمَ) ومعناه عند سيبويه يا الله والميم المشددة عوض عن الياء. وإنما أخرت تبركا باسم الله تعالى وهذا من خصائص اسم الله. كما اختص بدخول تاء القسم ، وبدخول حرف النداء عليه مع لام التعريف ، وبقطع همزته في يا الله. وعند الكوفيين أصله يا الله أمنا بخير أي اقصدنا ، فلما كثر في الكلام حذفوا حرف النداء. وخففت الهمزة من أمّ. وزيف بأن التقدير لو كان كذلك لزم أن يذكر الدعاء بعده بالعطف مثل : اللهم واغفر لنا. ولجاز أن يتكلم به على أصله من غير تخفيف الهمزة وبإثبات حرف النداء وأجيب بأنه إنما لم يوسط العاطف لئلا يصير السؤال سؤالين ضرورة مغايرة المعطوف للمعطوف عليه بخلاف ما لو جعل الثاني تفسيرا للأول فيكون آكد. وبأن الأصل كثيرا ما يصير متروكا مثل : ما أكرمه فإنه لا يقال : شيء ما أكرمه في التعجب. و (مالِكَ الْمُلْكِ) نداء مستأنف عند سيبويه. فإن النداء بأللهم لا يوصف كما لا توصف أخواته من الأسماء المختصة بالنداء نحو : يا هناه ويا نومان ويا ملكعان وفل. وأجاز المبرد نصبه على النعت كما جاز في «يا الله». عن ابن عباس وأنس بن مالك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين افتتح مكة وعد أمته ملك فارس والروم فقال المنافقون واليهود : هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم؟ هم أعز وأمنع من ذلك فنزلت الآية. وعن عمرو بن عون أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما خط الخندق عام الأحزاب وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا وأخذوا يحفرون ، خرج من بطن الخندق صخرة كالتل العظيم لم تعمل فيها المعاول ، فوجهوا سلمان إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يخبره صلىاللهعليهوسلم ، فأخذ المعول من سلمان فضربها صلىاللهعليهوسلم ضربة صدعتها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها كالمصباح في جوف بيت مظلم ، وكبر صلىاللهعليهوسلم وكبر المسلمون وقال صلىاللهعليهوسلم : أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب ، ثم ضرب الثانية فقال صلىاللهعليهوسلم : أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم ، ثم ضرب صلىاللهعليهوسلم الثالثة فقال : أضاءت لي قصور صنعاء ، وأخبرني جبرائيل أن أمتي ظاهرة على كلها فأبشروا. فقال المنافقون : ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا فنزلت. وقال الحسن : إن الله تعالى أمر نبيه أن يسأله أن يعطيه ملك فارس والروم ويرد ذل العرب عليهما. وأمره بذلك دليل على أنه يستجيب له صلىاللهعليهوسلم هذا الدعاء وهكذا منازل الأنبياء إذا أمروا بدعاء استجيب دعاؤهم. (مالِكَ الْمُلْكِ) أي تملك جنس الملاك فيتصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكون ، وفيه أن قدرة الخلق في كل ما يقدرون عليه ليست إلا بأقدار