رؤوف بهم حيث أمهلهم للتوبة والتلافي ، أو هو وعد كما أن التحذير وعيد ، أو المراد بالعباد عباده المخلصون كقوله : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) [الدهر : ٦] كما هو منتقم من الفساق ومحذرهم نفسه فهو رؤوف بالعباد المطيعين والمحسنين : ثم إنه تعالى دعا القوم إلى الإيمان به ورسوله من طريق آخر سوى طريق التهديد والتحذير فقال : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ) قال الحسن وابن جريج : زعم أقوام على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنهم يحبون الله فقالوا : يا محمد إنا نحب ربنا فأنزل الله هذه الآية. وروى الضحاك عن ابن عباس قال : وقف النبي صلىاللهعليهوسلم على قريش وهم في المسجد الحرام وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام وجعلوا في آذانها الشنوف وهم يسجدون لها فقال : يا معشر قريش ، لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل ولقد كانا على الإسلام. فقالت قريش : يا محمد إنا نعبد هذه حبا لله ليقربونا إلى الله زلفى. فأنزل الله (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ) وتعبدون الأصنام لتقربكم إليه (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) فأنا رسوله إليكم وحجته عليكم وأنا أولى بالتعظيم من أصنامكم. وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها نزلت حين زعمت اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه. وقيل : نزلت في نصارى نجران زعموا أنهم يعظمون المسيح ويعبدونه حبا لله وتعظيما له. والحاصل أن كل من يدعي محبة الله تعالى من فرق العقلاء فلا بد أن يكون في غاية الحذر مما يوجب سخطه ، فإذا قامت الدلائل العقلية والمعجزات الحسية على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وجبت متابعته. فليس في متابعته إلا أنه يدعوهم إلى طاعة الله وتعظيمه وترك تعظيم غيره. فمن أحب الله كان راغبا فيه لأن المحبة توجب الإقبال بالكلية على المحبوب والإعراض بالكلية عن غيره ، وقد مر في تفسير قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة : ١٦٥] تحقيق المحبة وأنها من الله تعالى عبارة عن إعطاء الثواب. وقال : (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) ليدل مع إيفاء الثواب على إزالة العقاب وهذه غاية ما يطلبه كل عاقل. (وَاللهُ غَفُورٌ) في الدنيا يستر على عبده أنواع المعاصي (رَحِيمٌ) في الآخرة يثيبه على مثقال الذرة من الطاعة والحسنة. يروى أنه لما نزل (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي) قال عبد الله بن أبيّ إن محمدا يجعل طاعته كطاعة الله ويأمرنا أن نحبه كما أحب النصارى عيسى فنزلت (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) وذلك أن الآية الأولى لما اقتضت وجوب متابعته ثم إن المنافق ألقى شبهة في البين أمره الله تعالى أن يقول : إنما أوجب الله عليكم متابعتي لا لما يقوله النصارى في عيسى بل لكوني رسولا من عند الله ومبلغ تكاليفه (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أعرضوا أو تعرضوا على أن يكون التاء الأولى محذوفة ويدخل في جملة ما يقوله الرسول لهم ، فإنه لا يحصل للكافرين محبة الله لأنها عبارة عن الثناء لهم وإيصال الثواب إليهم ، والكافر يستحق الذم واللعن وهذا ضد المحبة. ثم إنه تعالى لما بين أن محبته لا تتم إلا بمتابعة الرسل بيّن علو