زمانا لكل منهما ، فيكون الثاني بدل الكل من الأول. ويجوز أن يتعلق ب (يَخْتَصِمُونَ) ولا يحتاج إلى زمان واسع بناء على ما روي عن الحسن أنها كانت عاقلة في حال الصغر ، وأن ذلك كان من كراماتها ، فجاز أن ترد عليها البشرى في حالة الصغر ولا يفتقر إلى أن يؤخر إلى حين العقل. واعلم أن حدوث الشخص من غير نطفة الأب أمر ممكن في نفسه ، وكيف لا وقد يشاهد حدوث كثير من الحيوانات على سبيل التولد كتولد الفأر عن المدر ، والحيات عن الشعر العفن ، والعقارب عن الباذروج غايته الاستبعاد عرفا وعادة وهذا لا يوجب عند الحكماء ظنا قويا فضلا عن العلم. ثم إن الصادق أخبر عن وجود ذلك الممكن فيجب القطع بصحته. ومما يزيده في العقل بيانا أن التخيلات الذهنية كثيرا ما تكون أسبابا لحدوث الحوادث. كتصور حضور المنافي للغضب ، وكتصور السقوط لحصول السقوط للماشي على جذع ممدود فوق فضاء بخلاف ما لو كان على قرار من الأرض. وقد جعلت الفلاسفة هذا كأصل في بيان جواز المعجزات والكرامات. فما المانع أن يقال إنها لما تخيلت صورة جبريل كفى ذلك في علوق الولد في رحمها ، فإن مني الرجل ليس إلا لأجل العقد ، فإذا حصل الانعقاد لمني المرأة بوجه آخر أمكن علوق الولد. قوله : (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) لفظة «من» هاهنا ليست للتبعيض كما توهمت النصارى والحلولية لأنه تعالى غير متبعض بوجه من الوجوه ، ولكنها لابتداء الغاية أي بكلمة حاصلة من الله. وذلك أن عيسى لما خلق من غير واسطة أب صار تأثير كلمة «كن» في حقه أظهر وأكمل فكان كأنه نفس الكلمة ، كما أن من غلب عليه الجود والكرم والإقبال يقال إنه محض الجود ونفس الكرم وصريح الإقبال. والمسيح لقب من الألقاب المشرفة كالصديق والفاروق. وأصله «مشيحا» بالعبرانية ومعناه المبارك (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) [مريم : ٣١] وكذلك عيسى معرب «إيشوع». أما احتمال اشتقاق عيسى من العيس البياض الذي تعلوه حمرة فبعيد ، وأما احتمال المسيح من المسح فقريب وعليه الأكثرون. عن ابن عباس : سمي بذلك لأنه ما كان يمسح ذا عاهة إلا يبرأ. وقال أحمد بن يحيى : لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها. وعلى هذا فيجوز أن يقال له مسيح بالتشديد كشريب. وقيل : لأنه مسح من الأوزار والآثام. وقيل : لأنه لم يكن في قدمه خمص وكان ممسوح القدمين. وقيل : لأنه ممسوح بدهن طاهر مبارك يمسح به الأنبياء ولا يمسح به غيرهم. قالوا : ويجوز أن يكون هذا الدهن جعله الله علامة للملائكة يعرفون بها الأنبياء حين يولدون. وقيل : لأن جبريل مسحه بجناحيه وقت ولادته صيانة له عن مس الشيطان. وقيل : لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن. وأما المسيح الدجال فسمي بذلك لأنه مسح إحدى عينيه ، أو لأنه يمسح الأرض أي يقطعها في المدة القليلة. قالوا : ومثله الدجال دجل في الأرض أي قطعها. وقيل : الدجال من دجل الرجل إذا موّه ولبس.