هذه الأشياء أسبابا للطغيان لحصول الطغيان عند الاتصال بها كقوله (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) [إبراهيم : ٣٦] ويعلم من قوله (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) ثم من قوله : (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) ، أن الكافر لا بد أن يتوب أوّلا ، ثم يؤمن بعد ذلك ، (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) استمسك وتمسك بمعنى ، والعروة واحدة عرى : الدلو والكوز ونحوهما مما يتعلق به. والوثقى تأنيث الأوثق ، وهذا من باب استعارة المحسوس للمعقول ، لأن الإسلام أقوى ما يتشبث به للنجاة فمثل المعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس وهو الحبل الوثيق المحكم حتى يتصور السامع كأنه ينظر إليه بعينه فتزول شبهته بالكلية. والفصم كسر الشيء من غير أن يبيّن فصمته فانفصم. والمقصود من قوله (لَا انْفِصامَ لَها) هو المبالغة لأنه إذا لم يكن لها انفصام ، فأن لا يكون لها انقطاع أولى قيل إن الموصول هاهنا محذوف أي التي لا انفصام لها كقوله (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤] أي من له. وقيل : معنى قوله (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) لا تكرهوا في الدين على أنه إخبار في معنى النهي والإكراه إلزام الغير فعلا لا يرى فيه خيرا يحمله عليه. ثم قال بعضهم : إنه منسوخ بقوله (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) [التحريم : ٩] وقال بعضهم : هو في أهل الكتاب خاصة ، لأنهم إذا قبلوا الجزية سقط القتل عنهم وحكم المجوس حكمهم. وأما الكفار الذين تهوّدوا أو تنصروا فقيل إنهم لا يقرّون على ذلك ويكرهون على الإسلام. وقيل يقرّون على ما انتقلوا إليه ولا يكرهون. روي أنه كان لأنصاريّ من بني سالم بن عوق ابنان فتنصّرا قبل أن يبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم قدما المدينة فلزمهما أبوهما وقال : والله لا أدعكما حتى تسلما. فأبيا فاختصموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال الأنصاري : يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر فنزلت فخلاهما. وقيل معنى قوله (لا إِكْراهَ) أي : لا تقولوا لمن دخل في الدين بعد الحرب أنه دخل مكرها لأنه إذا رضي بعد الحرب وصحّ إسلامه فليس بمكره ، ومعناه لا تنسبوه إلى الإكراه فيكون كقوله (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) [النساء : ٩٤].
(وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يسمع قول من يتكلم بالشهادة وقول من يتكلم بالكفر ، يعلم ما في قلب المؤمن من الاعتقاد الطيب وما في قلب الكافر من العقد الخبيث. وعن عطاء عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحب إسلام أهل الكتاب من اليهود الذين كانوا حول المدينة وكان يسأل الله ذلك سرا وعلانية فقيل له : والله سميع لدعائك يا محمد عليم بحرصك واجتهادك.
قوله سبحانه : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي متولي أمورهم وكافل مصالحهم. «فعيل»