أصل الابتهال ، ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن التعانا وهو المراد في الآية لئلا يلزم التكرار أي ثم نجتهد في الدعاء فنجعل اللعنة على الكاذب بأن نسأل الله أن يلعنه. وفي الآية دلالة على أن الحسن والحسين وهما ابنا البنت يصح أن يقال إنهما ابنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأنه صلىاللهعليهوسلم وعد أن يدعو أبناءه ثم جاء بهما. وقد تمسك الشيعة قديما وحديثا بها في أن عليا أفضل من سائر الصحابة لأنها دلت على أن نفس علي مثل نفس محمد إلا فيما خصه الدليل. وكان في الري رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصي ، وكان متكلم الاثني عشرية يزعم أن عليا أفضل من سائر الأنبياء سوى محمد. قال : وذلك أنه ليس المراد بقوله : (وَأَنْفُسَنا) نفس محمد لأن الإنسان لا يدعو نفسه فالمراد غيره. وأجمعوا على أن ذلك الغير كان علي بن أبي طالب فإذا نفس علي هي نفس محمد. لكن الإجماع دل على أن محمدا أفضل من سائر الأنبياء ، فكذا علي عليهالسلام قال : ويؤكده ما يرويه المخالف والموافق أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من أراد أن يرى آدم في علمه. ونوحا في طاعته ، وإبراهيم في خلته ، وموسى في قربته ، وعيسى في صفوته فلينظر إلى علي بن أبي طالب عليهالسلام» فدل الحديث على أنه اجتمع فيه عليهالسلام ما كان متفرقا فيهم ، وأجيب بأنه كما انعقد الإجماع بين المسلمين على أن محمدا أفضل من سائر الأنبياء فكذا انعقد الإجماع بينهم قبل ظهور هذا الإنسان على أن النبي أفضل ممن ليس بنبي ، وأجمعوا على أن عليا عليهالسلام ما كان نبيا ، فعلم أن ظاهر الآية كما أنه مخصوص في حق محمد صلىاللهعليهوسلم فكذا في حق سائر الأنبياء ، وأما فضل أصحاب الكساء فلا شك في دلالة الآية على ذلك ، ولهذا ضمهم إلى نفسه بل قدمهم في الذكر. وفيها أيضا دلالة على صحة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم فإنه لو لم يكن واثقا بصدقه لم يتجرأ على تعريض أعزته وخويصته وأفلاذ كبده في معرض الابتهال ومظنة الاستئصال ، ولو لا أن القوم عرفوا من التوراة والإنجيل ما يدل على نبوته صلىاللهعليهوسلم لما أحجموا عن مباهلته ، وأما قول المشركين (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : ٣٢] فليس من قبيل المباهلة ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يعرض نفسه لذلك ولم يكن ذلك القول في معرض الاحتجاج والادعاء ولا بإذن من الله تعالى لرسوله. (إِنَّ هذا) الذي تلي عليك من نبأ عيسى (لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) وهو في إفادة معنى الاستغراق لزيادة «من» بمنزلة لا إله إلا الله مبنيا على الفتح ، وفيه رد على النصارى في تثليثهم (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فيه جواب عن شبهة النصارى أن عيسى يقدر على الإحياء ويخبر عن الغيوب ، فإن هذا القدر من القدرة والعلم لا يكفي في الإلهية ، بل يجب أن يكون الإله غالبا لا يدفع ولا يمنع وهم يقولون إنه قد قتل ولم يقدر على الدفع. ويلزم أن يكون عالما