قال جعفر : وانصرفنا فكنا في خير دار وأكرم جوار ، وأنزل الله عزوجل ذلك اليوم في خصومتهم في إبراهيم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو بالمدينة قوله : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) على ملته وسنته في زمانه (وَهذَا النَّبِيُ) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم (وَالَّذِينَ آمَنُوا) في آخر الزمان (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) بالنصرة والتأييد والتوفيق والتسديد. ومعنى (أَوْلَى النَّاسِ) أخصهم به وأقربهم منه من الولي القرب. وقرىء (وَهذَا النَّبِيُ) بالنصب عطفا على الهاء في (اتَّبَعُوهُ) وبالجر عطفا على (بِإِبْراهِيمَ). عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن لكل نبي ولاة من النبيين وإن وليي منهم أبي وخليل ربي إبراهيم ثم قرأ إن أولى الناس الآية» ثم بين أنهم لا يقتصرون على هذا القدر بل يجتهدون في إضلال المؤمنين بإلقاء الشبهات وإبداء المكايد كما أرادوا بحذيفة وعمار ومعاذ بن جبل وقد ذكرناه في سورة البقرة. (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لأن وبال الإضلال يعود عليهم فيضاعف لهم العذاب بالضلال والإضلال ، أو وما يقدرون على إضلال المؤمنين وإنما يضلون أمثالهم من أشياعهم (وَما يَشْعُرُونَ) أن هذا يضرهم ولا يضر المؤمنين. ثم وبخهم على قبائح أفعالهم بطريق الاستفهام فقال : (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) قيل : أي بالتوراة والإنجيل لما فيهما من البشارة بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، أو أن إبراهيم كان حنيفا مسلما ، أو أن الدين عند الله الإسلام ، ومعنى الكفر بالتوراة والإنجيل إما الكفر بما يدلان عليه فيكون قد أطلق اسم الدليل على المدلول ، أو الكفر بنفس التوراة والإنجيل لأنهم كانوا يحرّفونهما وينكرون وجود تلك الآيات الدالة على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم. ومعنى (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) أنهم عند حضور المسلمين وعند حضور عوامهم كانوا ينكرون اشتمال التوراة والإنجيل على نعت محمد صلىاللهعليهوسلم ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض شهدوا بصحتها ، وعلى هذا فيكون في الآية إخبار عن الغيب فيكون معجزا. وقيل : آيات الله في القرآن وشهادتهم أنهم يعرفون في قلوبهم أنه حق. وقيل : آيات الله جملة المعجزات التي ظهرت على يد النبي صلىاللهعليهوسلم. فمعنى تشهدون أنكم تعترفون بدلالة المعجزة على صدق المدعي. ثم لما وبخهم على الغواية أردفه التوبيخ بالإغواء. وهو إما بإلقاء الشبهات في الدين وهو معنى لبسهم الحق بالباطل ، وإما بإخفاء الدلائل وهو كتمانهم الحق. عن الحسن وابن زيد : حرفوا التوراة فخلطوا المنزل بالمحرف. وعن ابن عباس : أظهروا الإسلام في أول النهار ثم رجعوا عنه في آخره تشكيكا للناس. قيل : إن في الكتابين ما يدل على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم والبشارة به وفيهما ما يوهم خلاف ذلك فيكون كالمحكم والمتشابه في القرآن. فلبسوا على الضعفاء أحد الأمرين بالآخر كما يفعل كثير من المشبهة. وهذا قول القاضي. وقيل : كانوا يقولون : إن محمدا صلىاللهعليهوسلم معترف بأن شرع موسى حق ، ثم إن التوراة دلت على أنه لا ينسخ ،