مصدرية أي أخذ الله ميثاقهم لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة ، ثم لمجيء رسول الله صلىاللهعليهوسلم موافقا لكم في الأصول لتؤمنن به ، لأن من يؤتى الكتاب والحكمة فإن اختصاصه بهذه الفضيلة يوجب عليه تصديق سائر الأنبياء. والثاني أن تكون «ما» موصولة وبيان الرابط كما مر. وعن سعيد بن جبير (لَما) بالتشديد بمعنى «حين». وقيل : أصله «لمن ما» أي لمن أجل ما آتيتكم. أدغمت النون في الميم فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفوا إحداها للتخفيف فيؤل المعنى إلى قراءة حمزة. وفي جميع القراآت قيل : لا بد من إضمار بأن يقال : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين فقال مخاطبا لهم لما آتيتكم. قلت : هذا من باب الالتفات فلا حاجة إلى الإضمار فكأنه قيل : وإذ أخذت أو أخذنا. ولما في أخذ الميثاق من معنى القول. ومن العلماء من قدر الإضمار بنوع آخر واستحسنه في التفسير الكبير مع أنه متكلف فقال : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتبلغن الناس ما آتيتكم من كتاب وحكمة ، ثم إن جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه. والنبيون عام وليس كلهم أصحاب كتاب ولكنه وصف الكل بوصف أشرفهم ، أو الكتاب لذوي الكتب والحكمة لغيرهم ، أو جعل الداعي إلى الكتاب وإلى العمل به كالذي أنزل عليه الكتاب. و «من» للبيان أو للتبعيض. وقوله : (ثُمَّ جاءَكُمْ) والرسول لا يجيء إلى النبيين وإنما يجيء إلى الأمم معناه أي في زمانكم وإن كان المراد من النبيين أولادهم أو أممهم فلا إشكال. والمراد بتصديقه لما معهم موافقته في التوحيد والنبوات وأصول الشرائع. فأما تفاصيلها وإن وقع الخلاف فيها فذاك في الحقيقة ليس بخلاف لأن جميع الأنبياء متفقون على أن الحق في زمان موسى ليس إلا شرعه عليهالسلام وأن الحق في زمان محمد صلىاللهعليهوسلم ليس إلا شرعه عليهالسلام. ولو قلنا : إن المراد بالرسول هو محمد صلىاللهعليهوسلم فالمراد إما ما ذكرنا أو أن نعته وصفته وأحواله مذكورة في الكتب المتقدمة ، فكان نفس مجيئه تصديقا لما كان معهم. والظاهر أن المراد بهذا الميثاق هو التوصية بأن يؤمنوا بكل رسول يجيء مصدقا لما معهم. وقيل : يحتمل أن يكون الميثاق إشارة إلى ما قرر في عقولهم من الدلائل الدالة على أن الانقياد لأمر الله واجب ، فإذا جاء الرسول فهو إنما يكون رسولا عند ظهور المعجزات الدالة على صدقه ، فإذا أخبرهم بعد ذلك أن الله أمر الخلق بالإيمان به عرفوا عند ذلك وجوبه. وقيل : المراد بأخذ الميثاق أنه تعالى شرح صفاته صلىاللهعليهوسلم في كتب الأنبياء المتقدمين ، فإذا صارت أحواله صلىاللهعليهوسلم مطابقة لما جاء في الكتب الإلهية وجب الانقياد له صلىاللهعليهوسلم ، وهذا إنما يصح لو كان المراد بالنبيين أولادهم أو أممهم أو ميثاق النبيين من الأمم أو ميثاق الله من النبيين على تقدير كونهم أحياء. أقول والله أعلم : يحتمل أن يراد بقوله (ثُمَّ جاءَكُمْ)