الإجبار ، فإن الدين هو الاستسلام لأوامر الشرع ظاهرا والتسليم لأحكام الحقّ باطنا من غير حرج وضيق عطن.
ثم شرع في مزيد شرح لحقيقة الدين بقوله (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) يتبرأ منه ؛ فطاغوت العوام الأصنام ، وطاغوت الخواص هو النفس ، وطاغوت خواص الخواص ما سوى الله. وإيمان العوام إقرار باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان ، وإيمان الخواص عزوب النفس عن الدنيا وسلوك طريق العقبى. وشهود القلب مع المولى. وإيمان خواص الخواص ملازمة الظاهر والباطن في طاعة الله ، وإنابة القلب إلى الفناء في الله ، وإخلاء السر للبقاء بالله ، وهذا هو السكر الموجب للشكر. ولهذا قال موسى بعد إفاقته عن سكر سطوات شراب التجلي (تُبْتُ إِلَيْكَ) [الأحقاف : ١٥] أي عن هذه الإفاقة ، فكان مخصوصا عن عالمي زمانه بالإيمان العياني وشريكا مع القوم بالإيمان البياني كما البياني كما قيل :
لي سكرتان وللندمان واحدة |
|
شيء خصصت به من بينهم وحدي |
ثم العروة الوثقى التي استمسك بها المؤمن لا يمكن أن تكون من المحدثات المخلوقات لقوله (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] ولا تكون أيضا من بطشك وإلا كانت منفصمة ، بل تكون من بطشه (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج : ١٢] ولكل مؤمن عروة مناسبة لمقامه في الإيمان ؛ فهي للعوام توفيق الطاعة ، وللخواص مزيد العناية بالمحبة (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤] ولخواص الخواص الجذبة الإلهية التي تفنيه عن ظلمات الغيرية وتبقيه بنور الربوبية ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم «جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين» وأعمالهما فانية من عالم الحدوث ، وجذبة الحق باقية من عالم القدم لا يجوز عليها الانفصام ، فالمجذوب لا يخلص منها أبد الآبدين.
ثم أخبر عن تصرفات جذباته فقال : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) يخرج العوام من ظلمات الكفر والضلالة إلى نور الإيمان والهداية ، والخواص من ظلمات الصفات النفسانية والجسمانية إلى نور الروحانية والربانية ، وخواص الخواص من ظلمات الحدوث والفناء إلى نور الشهود والبقاء. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) : ذكر الطاغوت بلفظ الوحدان ، والأولياء بلفظ الجمع ، ليعلم أن الولاء والمحبة من قبل الكفار أي هم أولياء الطاغوت كقوله (أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) [البقرة : ١٦٥] ؛ فإن الطاغوت لو فسر بالأصنام فهي بمعزل عن الولاية وإن فسر بالشيطان أو النفس ؛ فهم الأعداء لا الأولياء يخرجونهم من نور الروحانية وصفاء الفطرة إلى ظلمات الصفات البهيمية والسبعية