وغير تقيّ يأمر الناس بالتقى |
|
طبيب يداوي الناس وهو مريض |
والقرآن ينعي عليه بقوله : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) [الصف : ٢ ، ٣] (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٤٤] وقد سلف تقريره في البقرة. وعن داود الطائي أنه سمع صوتا من قبر : ألم أزك ألم أصل ألم أصم ألم أفعل كذا وكذا؟ أجيب بلى يا عدو الله ولكن إنك إذا خلوت بارزته بالمعاصي ولم تراقبه.
قوله سبحانه : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا) في النظم وجهان : أحدهما أنه تعالى ذكر في الآيات المتقدمة أنه بين في التوراة والإنجيل ما يدل على صحة دين الإسلام ، ثم إن أهل الكتاب حسدوا محمدا فاحتالوا لإلقاء الشكوك في تلك النصوص ، ثم انجر الكلام إلى أنه أمر المؤمنين بالدعاء إلى الخير ، فختم الكلام بتحذير المؤمنين من مثل فعل أهل الكتاب من إلقاء الشبهات في النصوص واستخراج التأويلات الفاسدة ، فعلى هذا تكون الآية من تتمة الآيات المتقدمة. وثانيهما أنه لما أمر الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن ضده وكان ذلك مما لا يتم إلا بالقدرة على تنفيذه ، كيف وفي الناس ظلمة ومتغلبون ، فلا جرم حذر أهل الحق أن يتفرقوا ويختلفوا كيلا يصير ذلك سببا لعجزهم عن القيام بهذا التكليف ، وعلى هذا تكون الآية من تتمة الآية السابقة فقط. قال بعضهم : تفرقوا واختلفوا مؤداهما واحد والتكرير للتأكيد. وقيل : معناهما مختلف. تفرقوا بالعداوة واختلفوا في الدين. أو تفرقوا بسبب التأويلات الفاسدة للنصوص ، واختلفوا بأن حاول كل منهم نصرة قوله. أو تفرقوا بأبدانهم بأن صار كل من الأحبار رئيسا في بلد ، واختلفوا بأن صار كل منهم يدعي أنه على الحق وصاحبه على الباطل. ولعل الإنصاف أن أكثر علماء الزمان بهذه الصفة فنسأل الله العصمة والسداد. (وَأُولئِكَ) اليهود والنصارى الذين اختلفوا من بعد ما جاءهم الدلالات الواضحة والنصوص الظاهرة ، أو أولئك الذين اقتفوا آثارهم من مبتدعة هذه الأمة (لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) وفي تعليق الظرف بقوله (لَهُمْ) فائدتان : إحداهما أن ذلك العذاب في هذا اليوم ، والأخرى أن من حكم هذا اليوم أن يبيض بعض الوجوه ويسود بعضها ونظير ذلك في القرآن (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) [عبس : ٣٨ ـ ٤١] وفي أمثال هذه الألوان للمفسرين قولان : أحدهما ـ وإليه ميل أبي مسلم ـ : أن البياض مجاز عن الفرح والسواد عن الغم وهذا مجاز مستعمل قال تعالى : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) [النحل : ٥٨] ولما سلم الحسن بن علي الأمر إلى معاوية قال له رجل : يا مسوّد وجوه المؤمنين. وتمام الخبر سوف يجيء إن شاء الله في تفسير سورة القدر. ولبعض الشعراء في الشيب :