ومن تصدى للتدريس والوعظ وهو ليس من أهله ولم يؤمن اغترار الناس به في تأويل أو تحريف ، فينكر المحتسب عليه ويظهر أمره لئلا يغتر به. وإذا رأى رجلا واقفا مع امرأة في شارع يطرقه الناس لم ينكر عليه ، وإن كان في طريق خال فهو موضع ريبة فينكر ويقول : إن كانت ذات محرم فصنها عن مواضع الريب ، وإن كانت أجنبية فخف الله معها في الخلوة. ولا ينكر في حقوق الآدميين كتعدي الجار في جدار الجار إلا باستعداء صاحب الحق ، وينكر على من يطيل الصلاة من أئمة المساجد المطروقة ، وعلى القضاة إذا حجبوا الخصوم وقصروا في النظر في الخصومات. والسوقي المختص بمعاملة النساء يختبر أمانته فإن ظهرت منه خيانة منع من معاملتهن. وبالجملة «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» (١) فلينظر الداعي الى الخير في حال كل مكلف وغير مكلف حتى الصبيان ، ليتمرنوا والمجانين كيلا يضروا ويدعوه إلى ما يليق به متدرجا من الأسهل إلى الأصعب في الأمر والإنكار كل ذلك إيمانا واحتسابا لا سمعة ورياء ، ولا لغرض من الأغراض النفسانية والجسمانية. وذلك أنّ هذه الدعوة منصب النبي وخلفائه الراشدين بعده ، ومن هاهنا ذهب الضحاك إلى أن المراد من المذكورين في هذه الآية أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذين يتعلمون من الرسول ويعلمون الناس. وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم «من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسول الله وخليفة كتابه» وعن علي : أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن شنأ الفاسقين وغضب لله غضب الله له وكفى بقوله تعالى : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الأخصاء بالفلاح مدحا لهم. وقد يتمسك بهذا في أن الفاسق ليس له أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر لأنه ليس من أهل الفلاح. وأجيب بأن هذا ورد على سبيل الغالب ، فإن الظاهر أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا يشرع فيه إلا بعد إصلاح أحوال نفسه ، لأن العاقل يقدم مهم نفسه على مهم الغير وقلما يتفق ممن يزني بامرأة أن يأمرها بالمعروف في أنها لم كشفت عن وجهها. قال بعض العلماء : إن ترك ارتكاب المنهي عنه والنهي عن ارتكاب المنهي واجبان على الفاسق ، فبتركه أحد الواجبين لا يسقط عنه الواجب الآخر. وعن بعض السلف : مروا بالخير وإن لم تفعلوا. وعن الحسن أنه سمع مطرف بن عبد الله يقول : لا أقول ما لا أفعل فقال : وأينا يفعل ما يقول؟ ود الشيطان لو ظفر بهذه منكم فلا يأمر أحد بمعروف ولا ينهي عن منكر. والحق في هذه القضية ما قيل :
__________________
(١) رواه أبو داود في كتاب السنّة باب ١٤. النسائي في كتاب الإيمان باب ١٦. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ٩.