ذلك ، فكان كما أخبر من حال بني قريظة والنضير وبني قينقاع وأهل خيبر. أو لعل نفي النصرة عنهم بعد القتال ولم يوجد نصراني بهذه الحالة. وفي الآية تشجيع للمؤمنين وتثبيت لمن آمن من أهل الكتاب كيلا يلتفتوا إلى تضليلاتهم وتحريفاتهم.
التأويل : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) لأهل العزائم وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن : ١٦] لأهل الرخص. والمعنى : اتقوا عن وجودكم بالله وبوجوده (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) لا ينتف وجودكم المجازي إلا وقد سلمتم لتصرفات الأحكام الإلهية والجذبات الربانية ، واستفدتم الوجود الحقيقي وهو البقاء بالله. (وَاعْتَصِمُوا) أهل الاعتصام طائفتان : أهل الصورة وهم المتعلقون بالأسباب لأن مشربهم الأعمال فقيل لهم اعتصموا بحبل الله وهو كل سبب يتوصل به إلى الله من أعمال البر ، وأهل المعنى وهم المنقطعون عن الأسباب إذ مشربهم الأحوال فقيل لهم : واعتصموا بالله هو مولاكم مقصودكم أو ناصركم ، ولا تفرقوا في الظاهر وهو مفارقة الجماعة ، وفي الباطن وهو الميل الى البدع والأهواء. (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ) وهي عداوة بعضكم لبعض وعداوتكم لله ولأنفسكم (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) بالهداية والإيمان وتأليف القلوب (كَذلِكَ) مثل ما بين آياته للأوس والخزرج حتى صاروا إخوانا (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ) أيها الطلاب (آياتِهِ) وهي الجذبة الإلهية وتجلي صفات الربوبية (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) بالأفعال دون الأقوال (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) من وعيد من يأمر بالمعروف ولا يأتيه (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) لأن الوجوه تحشر بلون القلوب كقوله : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) [الطارق : ٩] أي يجعل ما في الضمائر على الظواهر (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) هم أرباب الطلب السائرون إلى الله انقطعوا في بادية النفس واتبعوا غول الهوى وارتدوا على أعقابهم القهقرى. (فَذُوقُوا الْعَذابَ) لأن الناس نيام لا يذوقون ألم جراحات الانقطاع والإعراض عن الله ، فإذا ماتوا انتبهوا وذاقوا. (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ) في الدنيا بالجمعية والوفاق مع أهل الله (هُمْ فِيها خالِدُونَ) في الآخرة ، ولأنه يموت على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه (تِلْكَ) الأحوال (آياتُ اللهِ) مع خواصه (نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) نظهرها على قلبك بالتحقيق (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) بأن يضع السواد والبياض في غير موضعهما. (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ) من العدم إلى الوجود مستعدة لقبول كمالية الإنسان. من جملة الخيرية تخفيف التكليف وضمان التضعيف ، ومنها عاقب مطيعهم بشؤم عصيانهم ، وغفر لعصاة هذه الأمة ببركة مطيعهم ، ومنها زلاتهم لعنة وزلاتنا رحمة ، ومنها شكا منهم إلينا وشكر منا إليهم قبل وجودنا (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ) يعني علماء السوء (لَنْ يَضُرُّوكُمْ) أيها المحققون (إِلَّا أَذىً) من طريق الإنكار والحسد (وَإِنْ