تقتل النفس به وهو قوله : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) [الأنعام : ١٥١] ثم نكر في المواضع الباقية أي يغير ما حق أضلالا في نفس الأمر ولا بحسب معتقدهم وتدينهم. (لَيْسُوا سَواءً) كلام تام وما بعده كلام مستأنف للبيان. قال الفراء وابن الأنباري : تقديره من أهل الكتاب أمة قائمة ومنهم أمة مذمومة ، إلا أنه أضمر ذكر هذا القسم على مذهب العرب من الاكتفاء بأحد الضدين لخطورهما بالبال معا غالبا. قال أبو ذؤيب :
دعاني إليها القلب إني لآمرها |
|
مطيع فما أدري أرشد طلابها؟ |
أراد أم غيّ فاكتفى بذكر الرشد عن ضده. وتقول : زيد وعبد الله لا يستويان ، زيد عاقل دين ذكي. فيغني هذا عن أن يقال : وعبد الله ليس كذلك. وقيل : وهو اختيار أبي عبيدة أن (أُمَّةٌ) مرفوعة ب (لَيْسُوا) على لغة من قال : أكلوني البراغيث. أو هو بدل من الضمير على نحو (أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء : ٣] والتقدير : ليسوا سواء أمة قائمة وأمة مذمومة. وفي تفسير أهل الكتاب قولان : الأول وعليه الجمهور أنهم اليهود والنصارى. قال ابن عباس ومقاتل : لما أسلم عبد الله بن سلام وأضرابه قالت أحبار اليهود : ما آمن بمحمد إلا شرارنا ، ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائهم وقالوا لهم : لقد خسرتم حين استبدلتم بدينكم دنيا غيره فنزلت. وعن عطاء أنها نزلت في أربعين من أهل نجران ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى وصدقوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم. الثاني أنهم كل من أوتي الكتاب من أهل الأديان فعلى هذا يكون المسلمون منهم. عن ابن مسعود قال : أخر رسول صلىاللهعليهوسلم ليلة صلاة العشاء ، ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال : إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله في هذه الساعة غيركم. وفي رواية : فبشر صلىاللهعليهوسلم أنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب فأنزل الله هذه الآيات (لَيْسُوا سَواءً) إلى قوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) قال القفال رحمهالله : لا يبعد أن يقال : أولئك الحاضرون كانوا نفرا من مؤمني أهل الكتاب. فقيل : ليس يستوي من أهل الكتاب هؤلاء الذين آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم فأقاموا صلاة العشاء في الساعة التي ينام فيها غيرهم مع أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا. ولا يبعد أيضا أن يقال : المراد كل من آمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم فسماهم الله أهل الكتاب كأنه قيل : أولئك الذين سموا أنفسهم بأهل الكتاب حالهم وصفتهم تلك الخصال الذميمة ، والمسلمون الذين سماهم الله تعالى أهل الكتاب حالهم وصفتهم كذا فكيف يستويان؟ فيكون الغرض من هذه الآية تقرير فضيلة أهل الإسلام تأكيدا لما تقدم من قوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) [آل عمران : ١١٠] كقوله : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) [السجدة : ١٨] ثم إنه تعالى مدح الأمة المذكورة بصفات ثمان : الأولى : أنها