سبيل الشك في القدرة ، بل بسبب اطراد العادة في أن مثل ذلك الموضع الخراب قلما يصيره الله معمورا. وكانت الأشجار مثمرة فتناول منها التين والعنب وشرب من عصير العنب ، ونام فأماته الله في منامه مائة عام وهو شاب ، ثم أعمى عنه في موته أبصار الإنس والطير والسباع ، ثم أحياه بعد المائة ونودي من السماء يا عزير (كَمْ لَبِثْتَ؟ قالَ : لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. قالَ : بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ) من التين والعنب (وَشَرابِكَ) من العصير لم يتغير. فنظر فإذا التين والعنب كما شاهد. ثم قال (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) فنظر فإذا عظام بيض تلوح وقد تفرقت أوصاله. فسمع صوتا : أيتها العظام البالية إني جاعل فيك روحا فانضم أجزاء العظام بعضها إلى بعض ثم التصق كل عضو بما يليق به ، الضلع إلى الضلع والذراع إلى مكانه ، ثم جاء الرأس إلى مكانه ، ثم العصب ، ثم العروق ، ثم انبسط اللحم عليه ، ثم انبسط الجلد عليه ، ثم خرجت الشعور من الجلد ، ثم نفخ فيه الروح ، فإذا هو قائم ينهق ، فخر عزير ساجدا فقال (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ثم إنه دخل بيت المقدس فقال القوم : حدثنا آباؤنا أن عزير بن شرحيا مات ببابل ، وقد كان بختنصر قتل ببيت المقدس أربعين ألفا من قراء التوراة وكان فيهم عزير. والقوم ما عرفوا أنه يقرأ التوراة ، فلما أتاهم بعد مائة عام جدد لهم التوراة وأملاها عليهم عن ظهر قلبه لم يخرم منها حرفا. وكانت التوراة قد دفنت في موضع فأخرجت وعورضت بما أملاه فما اختلفا في حرف ، فعند ذلك قالوا : عزير ابن الله. وعن وهب وقتادة وعكرمة والربيع أن القرية إيليا وهو بيت المقدس. وقال ابن زيد : هي القرية التي خرجت منها الألوف حذر الموت. ومعنى قوله (خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) ساقطة على سقوفها من خوى النجم إذا سقط. والعروش الأبنية ، والسقوف من الخشب ، كان حيطانها قائمة وقد تهدمت سقوفها ثم انقعرت الحيطان من قواعدها فتساقطت على السقوف المتهدمة ، وهذا من أحسن ما يوصف به خراب المنازل. ويحتمل أن يكون من خوى المنزل إذا خلا عن أهله ، وخوى بطن الحامل. «وعلى» بمعنى «عن» أي خاوية عن عروشها ، ويجوز أن يراد أن القرية خاوية مع بقاء عروشها وسلامتها. قال في الكشاف : ويجوز أن يكون (عَلى عُرُوشِها) خبرا بعد خبر كأنه قيل : هي خالية وهي على عروشها أي هي قائمة مظلة على عروشها على معنى أن السقوف سقطت إلى الأرض فصارت في قرار الحيطان ، وبقيت الحيطان بحالها فيه مشرفة على السقوف الساقطة ، ويجوز أن يراد أن القرية خاوية مع كون أشجارها معروشة ، وكان التعجب من ذلك أكثر لأن الغالب من القرية الخالية أن يبطل ما فيها من عروش الفواكه (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) لأن الإحياء بعد مدة طويلة أغرب فيكون أدخل في كونه آية (ثُمَّ بَعَثَهُ) أي أحياه كما كان أوّلا عاقلا فهما مستعدا للنظر والاستدلال في المعارف الإلهية ، ولو قال أحياه لم