واستكانتهم لهم حين أرادوا أن يعتضدوا بالمنافق عبد الله بن أبي في طلب الأمان من أبي سفيان. وقيل : الوهن استيلاء الخوف عليهم ، والضعف ضعف الإيمان واختلاج الشبهات في صدورهم ، والاستكانة الانتقال من دينهم إلى دين عدوهم. وقيل : الوهن ضعف يلحق القلب ، والضعف مطلقا اختلال القوة الجسمية ، والاستكانة إظهار ذلك العجز والضعف. واستكان قيل «افتعل» من السكون كأنه سكن لصاحبه ليفعل به ما يريد. وعلى هذا فالمد شاذ كقولهم «هو منه بمنتزاح» أي ببعد يراد بمنتزح. والأصح أنه استفعل من «كان» والمد قياسي كأن صاحبه تغير من كون إلى كون أي من حال إلى حال. (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) بأن يريد إكرامهم والحكم بالثواب والجنة لهم. ثم أخبر أنهم كانوا مستعينين عند ذلك التصبر والتجلد بالدعاء والتضرع وطلب الإمداد والنصر من الله ، والغرض أن تقتدي هذه الأمة بهم. فإن من عول في تحصيل مهماته على نفسه وعدده وعدده ذل ، ومن اعتصم بالله والتجأ إليه فاز بالظفر. وفي إضافتهم الذنوب والإسراف إلى أنفسهم وهم ربانيون هضم للنفس واستصغار لها. قال المحققون : إنما قدموا الاستغفار لعلمهم بأنه تعالى ضمن نصر المؤمنين ، فإذا لم يحصل النصرة وظهرت أمارات استيلاء الأعداء دل ذلك على صدور ذنب وتقصير من المؤمنين ، فيلزم تقديم التوبة والاستغفار على طلب النصرة ليكون طلبهم إلى ربهم عن زكاة وطهارة أقرب إلى الاستجابة. إنهم عمموا الذنوب أوّلا الصغائر والكبائر بقولهم : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) ثم خصصوا الذنوب الكبائر بقولهم (وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) لأن الإسراف في كل شيء هو الإفراط فيه. والمراد بتثبيت الأقدام وإزالة الخوف عن قلوبهم وإماطة الخواطر الفاسدة عن صدورهم. والمراد بالنصر الأمور الزائدة على القوة والعدة والشدة كإلقاء الرعب في قلوب الأعداء ، وكإحداث أحوال سماوية أو أرضية توجب انهزامهم كهبوب ريح تثير الغبار في وجوههم ، وإجراء سيل في مواضع وقوفهم. وفي الآية تأديب وإرشاد من الله تعالى في كيفية الطلب عند النوائب جهادا كان أو غيره (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا) من النصرة والغنيمة والعز وطيب الذكر وانشراح الصدر (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) وهو الجنة وما فيها من المنافع واللذات وذلك غير حاصل في الحال. والمراد أنه حكم لهم بحصولها في الآخرة ، وحكم الله بالحصول كنفس الحصول. أو المراد أنه سيؤتيهم مثل أتى أمر الله أي سيأتي ، قال القاضي : ولا يمتنع أن تكون الآية مختصة بالشهداء وأنهم في الجنة عند ربهم كما ماتوا أحياء. وثواب الآخرة كله حسن ، فما ظنك بحسن ثوابها؟ وإنما لم يصف ثواب الدنيا بالحسن لقلتها وامتزاجها بالمضار وكدر صفوها بالانقطاع والزوال. قال القفال : يحتمل أن يكون الحسن هو الحسن كقوله (وَقُولُوا لِلنَّاسِ