الأمر الشديد. ويقال : أهمه ذلك الأمر أي أقلقه وأحزنه. فالمعنى أوقعتهم أنفسهم وما حل بهم في الهموم والأشجان منهم بسبب التشكك وعدم الثبات. والتحقيق فيه أن الإنسان إذا اشتد اشتغاله بالشيء واستغراقه فيه صار غافلا عما سواه ، فلما كان أحب الأشياء عندهم هو النفس ، وكانت أسباب الخوف على النفس هناك موجودة والدافع لذلك وهو الوثوق بنصر الله ووعده غير حاصل لهم فلم يكن لهم هناك إلا همّ أنفسهم. (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) وهو في حكم المصدر أي غير الظن الحق الذي يجب أن يظن به. و (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) بدل منه. والفائدة في هذا الترتيب أن غير الحق أديان كثيرة ، وأرداها مقالات أهل الجاهلية فذكر أولا أنهم يظنون بالله ظنا باطلا ، ثم بين أنهم اختاروا من الأديان أرذلها كما يقال : فلان دينه ليس بحق دينه دين الملاحدة. أو (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) مصدر و (غَيْرَ الْحَقِ) تأكيد لـ (يَظُنُّونَ) كقولك : هذا القول غير ما تقول. و (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) كقولك : حاتم الجود ورجل صدق. مما أضيف للملابسة أي الظن المختص بالملة الجاهلية وهي زمان الفترة قبل الإسلام. أو أريد ظن أهل الجاهلية وهم أهل الشرك الجاهلون بالله. فالجاهلية مصدر كالعالمية والقادرية. قيل : إن ذلك الظن هو أنهم كانوا ينكرون الإله العالم بكل المعلومات القادر على كل المقدورات ، وينكرون النبوة والمعاد ، فلا جرم ما وثقوا بقول النبي صلىاللهعليهوسلم إن الله يقوّيهم وينصرهم. وقيل : الظن هو أنهم كانوا يقولون : لو كان محمد نبيا حقا لم يسلط الله الكفار عليه ، وهذا ظن فاسد. أما عند أهل السنة فلأنه تعالى فاعل لما يشاء ولا اعتراض لأحد عليه ، وإذا شرف المولى عبده بخلعة لم يجب أن يشرفه بأخرى. وأما عند من يعتبر المصالح في أفعاله وأحكامه فلا يبعد أن يكون في التخلية بين الكافر والمسلم وغير ذلك من المصائب حكم خفية. ولو كان كون المؤمن محقا يوجب زوال المصائب عنه اضطر الناس الى معرفة الحق ، وكان ينافي التكاليف واستحقاق الثواب والعقاب. وإنما يعرف كون الإنسان محقا بالدلائل والبينات ، ولا يجوز الاستدلال بالدولة والشوكة ووفور القوة والمال والجاه على حقية صاحبها والله أعلم. (يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) حكاية شبهة تمسك بها أهل النفاق فاستفهموا عنها على سبيل الإنكار. وإنما يحتمل وجوها : أحدها هل لنا من التدبير من شيء يعنون رأي عبد الله بن أبي وأن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يقبل قوله حين أمره أن يسكن في المدينة ولا يخرج منها. ونظيره ما حكى عنه (لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا) [آل عمران : ١٦٨] وثانيها من عادة العرب أنه إذا كانت الدولة لأحد قالوا له الأمر ، وإذا كانت لعدوّه قالوا عليه الأمر. أي هل لنا من الأمر الذي كان يعدنا به محمد وهو النصر والقدرة شيء؟ وثالثها أنطمع أن يكون لنا الغلبة على هؤلاء؟ والغرض منه تعيير المسلمين على التسديد في