ريشها ودماءها ولحومها وأن يمسك رؤوسها ، ثم أمر أن يجعل أجزاءها على الجبال التي بحضرته وفي أرضه على كل جبل ربعا من كل طائر ، ثم يصيح بها تعالين بإذن الله. فجعل كل جزء يطير إلى الآخر حتى صارت جثثا ، ثم أقبلن فانضممن إلى رؤوسهن كل جثة إلى رأسها. وأنكر أبو مسلم هذه القصة وقال : إن إبراهيم عليهالسلام لما طلب إحياء الموتى من الله أراه الله تعالى مثالا قرب به الأمر عليه. والمراد ب (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) الإمالة والتمرين على الإجابة أي قعود الطيور الأربعة بحيث إذا دعوتها أجابتك حال الحياة ، والغرض منه ذكر مثال محسوس لعود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة ، ويؤكده قوله (ثُمَّ ادْعُهُنَ) أي الطيور لا الأجزاء (يَأْتِينَكَ سَعْياً) وزيف قول أبي مسلم بأنه خلاف إجماع المفسرين ، وبأن ما ذكره غير مختص بإبراهيم فلا يلزم له مزية. وأيضا إن ظاهر الآية يدل على أنه أجيب إلى ما سأل ، وعلى قوله لا تكون الإجابة حاصلة. ولأن قوله (عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) دليل ظاهر على تجزئة الطيور وحمل الجزء على أحد الطيور الأربعة بعيد ، ثم ظاهر قوله (عَلى كُلِّ جَبَلٍ) جميع جبال الدنيا. فذهب مجاهد والضحاك إلى العموم بحسب الإمكان كأنه قيل : فرقها على كل جبل يمكنك التفرقة عليه. وقال ابن عباس والحسن وقتادة والربيع : أربعة جبال على حسب الطيور الأربعة والجهات الأربع. وقال السدي وابن جريج : المراد كل جبل كان يشاهده إبراهيم وكانت سبعة. أما قوله (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) فقيل : عدوا ومشيا على أرجلهنّ لأن ذلك أبلغ في الحجة ، وقيل : طيرانا. ورد بأنه لا يقال للطير إذا طار سعى. وأجيب بأن السعي هو الاشتداد في الحركة مشيا كانت أو طيرانا ، واحتج الأصحاب بالآية على أن البنية ليست شرطا في صحة الحياة لأنه تعالى جعل كل واحد من تلك الأجزاء والأبعاض حيا قادرا على السعي والعدو. قال القاضي : دلت الآية على أنه لا بد من البنية من حيث إنه أوجب التقطيع بطلان حياتها ، والجواب أن حصول المقارنة لا يدل على وجوب المقارنة ، أما الانفكاك عنه في بعض الأحوال فيدل على أن المقارنة حيث حصلت ما كانت واجبة ، ولما دلت الآية على حصول فهم النداء لتلك الأجزاء حال تفرقها كان دليلا قاطعا على أن البنية ليست شرطا للحياة. (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب على جميع الممكنات (حَكِيمٌ) عالم بعواقب الأمور وغايات الأشياء.
التأويل : إن الله تعالى لما أعطى نمرود ملكا ما أعطى أحدا قبله ادّعى الربوبية وما ادّعاها أحد قبله. وسبب ذلك أن الإنسان لحسن استعداده للطلب وغاية لطافته في الجوهر دائم الحركة في طلب الكمال لا يتوقف لحظة إلا لمانع ، ولكنه جبل ظلوما جهولا ، فمتى وكل إلى نفسه مال إلى عالم الحس ، موافقا لسيره الطبيعي لأنه خلق من تراب وطبعه الميل