وَراءَ ظُهُورِهِمْ) جعلوه كالشيء المطروح المتروك. وعن علي رضياللهعنه : ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا. وقال قتادة : مثل علم لا يقال به كمثل كنز لا ينفق منه ، ومثل حكمة لا تخرج كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب. طوبى لعالم ناطق ولمستمع واع ، هذا علم علما فبذله ، وهذا سمع خيرا فوعاه. ومعنى قوله : (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) أنهم كتموا الحق ليتوسلوا به إلى وجدان حظ يسير من الدنيا (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) هو ويدخل في الوعيد كل من كتم شيئا من أمر الدين لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة وتطييب لنفوسهم واستجلاب لمسارّهم واستجذاب لمبارّهم ، أو لتقية من غير ضرورة ، أو لبخل بالعلم وغيرة أن ينسب إلى غيره. ثم ذكر نوعا آخر من إيذاء اليهود وأوعدهم عليه وسلى رسوله بذلك فقال : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) من قرأ بتاء الخطاب وفتح الباء فالخطاب للرسول أو لكل أحد ، وأحد المفعولين (الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) والثاني (بِمَفازَةٍ). وقوله : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) إعادة للعامل لطول الكلام وإفادة التأكيد. ومن ضم الباء في الثاني مع تاء فالخطاب للمؤمنين ، ومن ضمها مع ياء الغيبة فالضمير للذين يفرحون ، والمفعول الأول محذوف أي لا يحسبن أنفسهم الذين يفرحون فائزين ، والثاني للتأكيد. ومعنى (بِما أَتَوْا) بما فعلوا. وأتى وجاء يستعملان بمعنى فعل. قال تعالى : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) [مريم : ٦١] (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) [مريم : ٢٧]. ومعنى بمفازة من العذاب بمنجاة منه أي بمكان الفوز. وقال الفراء : أي ببعد منه لأن الفوز التباعد عن المكروه. في الصحيحين أن مروان قال لرافع أبوابه : اذهب إلى ابن عباس وقل له : لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون. فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه إنما دعا النبي صلىاللهعليهوسلم يهودا فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره ، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ، ثم قرأ ابن عباس (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) الآيتين. وقال الضحاك : كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومن بلغهم كتاب من اليهود في الأرض كلها أن محمدا ليس نبي الله فأثبتوا على دينكم واجمعوا كلمتكم على ذلك. فاجتمعت كلمتكم على الكفر بمحمد والقرآن ، ففرحوا بذلك وقالوا : الحمد لله الذي جمع كلمتنا ولم نتفرق ولم نترك ديننا ونحن أهل الصوم والصلاة ، نحن أولياء الله. فذلك قول الله (يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) بما فعلوا (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) فأنزل الله هذه الآية. يعني بما ذكروا من الصوم والصلاة والعبادة. وعن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الغزو تخلفوا عنه ، فإذا قدم اعتذروا عنده وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فأنزل الله هذه الآية. وهذه الوجوه كلها مشتركة في الإتيان بما لا ينبغي ومحبة