عن استطابة النفس وميل القلب كانت الآية عامة دخلها التخصيص وأنه أولى من الإجمال عند التعارض لأن العام المخصوص حجة في غير محل التخصيص ، والمجمل لا يكون حجة أصلا ، والجواب عن الأول أن ذكر الشيء ضمنا ثم صريحا لا يعد تكرارا بدليل قوله : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) [البقرة : ٥٧] وعن الثاني أن قوله : (ما طابَ لَكُمْ) بمعنى ما حل لكم إذا كان إشارة إلى ما بقي بعد ما أخرجته آية التحريم فلا إجمال. وأما قوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) ولم يوجد في كلام الفصحاء إلا هذه ، وأحاد وموحد وجوّزوا إلى عشار ومعشر قياسا على قول الكميت :
ولم يستر يثوك حتى رميت |
|
فوق الرجال خصالا عشارا |
فاتفق النحويون على أن فيها عدلا محققا. وذلك أن فائدتها تقسيم أمر ذي أجزاء على عدد معين ، ولفظ المقسوم عليه في غير العدد مكرر على الإطراد في كلام العرب نحو : قرأت الكتاب جزءا جزءا ، وجاءني القوم رجلا رجلا وجماعة جماعة. وكان القياس في باب العدد أيضا التكرير عملا بالاستقراء وإلحاقا للفرد المتنازع فيه بالأعم الأغلب ، فلما وجد ثلاث مثلا غير مكرر لفظا حكم بأن أصله لفظ مكرر وليس إلا ثلاثة ثلاثة. فعند سيبويه منع صرف مثل هذا للعدل والوصف الأصلي ، فإن هذا التركيب لم يستعمل إلا وصفا بخلاف المعدول عنه. وقيل : إن فيه عدلا مكررا من حيث اللفظ لأن أصله كان ثلاثة ثلاثة مرتين فعدل إلى واحد ثم إلى لفظ ثلاث أو مثلث. وقيل : إن فيه العدل والتعريف إذ لا يدخله اللام خلافا لما في الكشاف. وإذا جرى على النكرة فمحمول على البدل ، وضعف بعدم جريانه على المعارف ولوقوعه حالا. فمعنى الآية فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد ثنتين ثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا ، فإن خفتم أن لا تعدلوا بين هذه الأعداد فواحدة. فمن قرأ بالنصب أراد : فاختاروا أو انكحوا أو الزموا واحدة ، ومن قرأ بالرفع أراد : فكفت واحدة أو فحسبكم واحدة وذروا الجمع رأسا فإن الأمر كله يدور مع العدل فأينما وجدتموه فعليكم به. ثم قال : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) فسوّى في السهولة بين الحرة الواحدة وبين ما شاء من الإماء لأنهن أقل تبعة وأخف مؤنة من المهائر لا على المرء أكثر منهن أو أقل ، عدل بينهن في القسم أم لم يعدل ، عزل عنهن أم لم يعزل. ولما كانت التسوية بينها وبينهن احتج بها الشافعي في بيان أن نوافل العبادات أفضل من النكاح وذلك للإجماع على أن الاشتغال بالنوافل أفضل من التسري ، فوجب أن يكون أفضل من النكاح لأن الزائد على أحد المتساويين يكون زائدا على المساوي الآخر. ولمانع أن يمنع التسوية فإن قول الطبيب مثلا