في تغير أحوال الإنسان لقوله صلىاللهعليهوسلم : «مروهم بالصلاة لسبع» (١) دفع إليه ماله ، أونس منه رشد أو لم يؤنس. ثم قال : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) مصدران في موضع الحال أي مسرفين ومبادرين كبرهم ، أو مفعول لهما أي لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم. والإسراف التبذير ضد القصد والإمساك. والكبر في السن وقد كبر الرجل بالكسر يكبر بالفتح كبرا أي أسن ، وكبر بالضم يكبر كبرا وكبارة أي عظم. نهاهم عن الإفراط في الإنفاق كما يشتهون قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيديهم (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) فليمتنع منه وليتركه. وفي السين زيادة مبالغة كأنه طلب مزيد العفة (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) وللعلماء خلاف في أن الوصي هل له أن ينتفع بمال اليتيم؟ قال الشافعي : له أن يأخذ قدر ما يحتاج إليه وبقدر أجرة عمله ، لأن النهي في الآية عن الإسراف مشعر بأن له أن يأكل بقدر الحاجة ، ولا سيما إذا كان فقيرا ، ولما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أن رجلا قال له : إن في حجري يتيما أفآكل من ماله؟ قال : بالمعروف غير متأثل مالا ولا واق مالك بماله. قال : أفأضربه؟ قال : مما كنت ضاربا منه ولدك. وروي أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمار وابن مسعود وعثمان بن حنيف : سلام عليكم. أما بعد فإني قد رزقتكم كل يوم شاة شطرها لعمار ، وربعها لعبد الله بن مسعود ، وربعها لعثمان ألا وإني قد أنزلت نفسي وإياكم من مال الله منزلة والي مال اليتيم ، (مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ). وأيضا قياسا على الساعي في أخذ الصدقات وجمعها فإنه يضرب له في تلك الصدقات بسهم ، فكذا هنا. وعن سعيد بن جبير ومجاهد وأبي العالية أن له أن يأخذ بقدر ما يحتاج إليه قرضا ، ثم إذا أيسر قضاه ، وإن مات ولم يقدر على القضاء فلا شيء عليه. وأكثر العلماء على أن هذا الاقتراض إنما جاء في أصول الأموال من الذهب والفضة وغيرهما. وأما التناول من ألبان المواشي واستخدام العبيد وركوب الدواب فمباح له إذا كان غير مضر بالمال. وقال أبوبكر الرازي : الذي نعرفه من مذهب أصحابنا أنه لا يأخذه لا على سبيل القرض ولا على سبيل الابتداء ، سواء كان غنيا أو فقيرا ، واحتج بقوله تعالى (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) وأجيب بأنها عامة. وقوله : (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) خاص والخاص مقدم على العام. قال : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) وأجيب بأن محل النزاع هو أن أكل الوصي مال اليتيم ظلم أو لا؟ قال : (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) وهو أيضا عين النزاع. ثم اعلم أن الأئمة اتفقوا على أن الوصي إذا دفع المال إلى اليتيم بعد بلوغه رشيدا فالأولى والأحوط أن يشهد عليه إظهارا
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب المواقيت باب ١٨٢. بلفظ «علموا الصبي الصلاة ابن سبع».