القسم الأول مبين في قوله : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) وحكم القسم الثالث في قوله : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) فمن قرأ بالرفع على «كان» التامة فظاهر ، ومن قرأ بالنصب فالضمير في كانت إما أن يعود إلى النساء وجاز لعدم الإلباس بدليل واحدة ، وإما أن يعود إلى غائب حكمي أي إن كانت البنت أو المولودة. وقراءة النصب أوفق لقوله : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) وقراءة الرفع أيضا حسنة لئلا يحتاج إلى التكلف في عود الضمير. وجوّز صاحب الكشاف أن يكون الضمير في (كُنَ) و (كانَتْ) مبهمة وتكون (نِساءً) و (واحِدَةً) تفسيرا لهما على أن «كان» تامة. وأما القسم الثاني وهو حكم البنتين فغير مذكور في الآية صريحا فلهذا اختلف العلماء فيه. فعن ابن عباس أن فرضهما النصف كما في الواحدة ، لأن الثلثين فرض البنات بشرط كونهن فوق اثنتين ، فإذا لم يوجد الشرط لم يوجد المشروط. وعورض بأن النصف أيضا مشروط بالوحدة. أقول : ولعله نظر إلى أن الاثنتين أقرب إلى الواحد من الأعداد الغير المحصورة التي فوق الإثنتين سوى الثلاثة ، والحمل على الأقرب أولى. وقال الأكثرون من الصحابة وغيرهم : إن فرضهما الثلثان لأن من مات وخلف ابنا وبنتا فللبنت الثلث بالآية ، فيلزم أن يكون للبنتين الثلثان. وأيضا نصيب البنت مع الولد الذكر الثلث ، فلأن يكون نصيبها مع ولد آخر أنثى هو الثلث أولى لأن الذكر أقوى من الأنثى. وعلى هذا فكان قوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) دالا على أنثيين ، فذكر بعد ذلك أنهن وإن بلغن ما بلغن من العدد لم يتجاوز الثلثين. وقيل : إن البنتين أمس رحما بالميت من الأختين ، لكنه تعالى يقول في آخر السورة (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ) فالبنتان أولى وهذا قياس جلي ، ومما يؤيده أنه تعالى لم يذكر ميراث الأخوات الكثيرة ليقاس ميراثهن على ميراث البنات الكثيرة كما يقاس ميراث البنتين على الأختين. وقيل : لفظ (فَوْقَ) وهو صفة نساء أو خبر بعد خبر للتأكيد ، أو ليخرج أقل الجمع وهو اثنان زائد كقوله : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) [الأنفال : ١٢] وقيل : فيه تقديم وتأخير والمراد : فإن كن نساء اثنتين فما فوقهما. وعن جابر بن عبد الله قال : جاءت امرأة بابنتين لها فقالت : يا رسول الله ، هاتان بنتا ثابت بن قيس ، أو قالت : سعد بن الربيع. قتل معك يوم أحد وقد استفاء عمهما مالهما وميراثهما. فقال : يقضي الله في ذلك ونزلت هذه الآية. فقال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ادع لي المرأة وصاحبها. فقال لعمهما : أعطهما الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فلك.
وأما الحالة الثالثة وهو ما إذا كان الأولاد ذكورا فقط فلم يذكر في الآية ، لأنه لما علم أن للذكر مثل حظ الأنثيين وقد تبين أن للبنت الواحدة النصف ، علم منه أن للابن الواحد الكل ، وإذا كان للواحد الكل ، فإذا كانوا أكثر من واحد لم يحسن حرمان بعضهم ولا