لأنّ الدفع أسهل من الرفع ، وأما الجمع بينهما بملك اليمين أو بأن ينكح إحداهما ويشتري الأخرى فقد اختلف الصحابة فيه ؛ فقال علي وعمرو بن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر : لا يجوز الجمع بينهما لإطلاق الآية ، ولأنه لو لجاز الجمع بينهما في الملك لجاز وطؤهما معا لقوله تعالى : (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) [المؤمنون : ٦] ولأن الأصل في الإبضاع الحرمة ، فلو سلم أن الآية تدل على الجواز فالأحوط جانب الترك. وأما سائر الصحابة والفقهاء فقد قالوا : النهي وارد عن نكاحهما ، فلو جمع بينهما في الملك جاز إلّا أنه إذا وطئ إحداهما حرّم وطء الثانية عليه ، ولا تزول هذه الحرمة ما لم يزل ملكه عن الأولى ببيع أو هبة أو عتق أو كتابة أو تزويج. قال أبو حنيفة هاهنا : لا يجوز نكاح الأخت في عدّة الأخت البائن لأنّ النكاح الأول كأنه باق بدليل وجوب العدة ولزوم النفقة. وقال الشافعي : يجوز لأن نكاح المطلّقة زائل بدليل لزوم الحد بوطئها. وأما وجوب العدة ولزوم النفقة فنقول : متى حصل النكاح حصلت القدرة على حبسها ، ولا يلزم من حصول القدرة على حبسها حصول النكاح لأنّ استثناء عين التالي لا ينتج. وإذا أسلم الكافر وتحته أختان فقد قال الشافعي : اختار أيتهما شاء وفارق الأخرى سواء تزوّج بهما معا أو على الترتيب ، لأنّ الكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الشرائع في أحكام الدنيا إذا لا يتصوّر تكليفه بالفروع ما دام كافرا. نعم يعاقب بترك الفروع في الآخرة كما يعاقب على ترك الإسلام. ومما يؤيّد قول الشافعي ما روي أن فيروزا الديلي أسلم على ثمان نسوة فقال صلىاللهعليهوسلم : اختر منهن أربعا وفارق سائرهن أطلق ولم يتفحص عن الترتيب. وقال أبو حنيفة : إن تزوّج بهما معا تركهما أو على الترتيب فارق الثانية ، لأنّ الخطاب في قوله : (وَأَنْ تَجْمَعُوا) عام فيتناول المؤمن والكافر فخالف أصليه حيث جعل النهي دالا على الفساد ، والكافر مخاطبا بالفروع. ومما يدل على أن الخطاب بالفروع لا يظهر أثر في حق الكافر في الأحكام الدنيوية الإجماع على أنه لو تزوج بغير وليّ وشهود أو على سبيل القهر والغصب فبعد الإسلام يقرّر ذلك النكاح ، أما قوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) فمعناه أن ما مضى مغفور بدليل قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) وقد مرّ نظيره.
واعلم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ألحق بالأختين جميع المحارم حيث قال : «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» (١) وضبط العلماء ذلك بأنّ كل شخصين بينهما قرابة أو رضاع
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب النكاح باب ٢٧. مسلم في كتاب النكاح حديث ٣٧ ـ ٣٩. أبو داود في كتاب النكاح باب ١٢. الترمذي في كتاب النكاح باب ٣. النسائي في كتاب النكاح باب ٣١. الدارمي في كتاب النكاح باب ٨. أحمد في مسنده (١ / ٧٨ ، ٣٧٣).