يربو ولا ينمو بسبب نزول المطر عليه فينبغي أن تكون هذه الأرض بحيث تربو وتنمو (فَآتَتْ أُكُلَها) أي ثمرتها وما يؤكل منها (ضِعْفَيْنِ) مثلي ما كان يعهد منها. وقيل : مثلي ما يكون في غيرها (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ) مطر صغير القطر يصيبها ولا ينتقص شيء من ثمرها لكرم منبتها ، أو المراد أنها على جميع الأحوال لا تخلو من أن تثمر قل أم كثر ، وكذلك من أخرج صدقة لوجه الله لا يضيع كسبه وفّر أم نزر. ويحتمل أن يمثل حالهم عند الله بالجنة على الربوة ، ونفقتهم القليلة والكثيرة بالوابل والطل ، وكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكل الجنة فكذلك نفقتهم تزيد في زلفاهم وحسن حالهم (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من وجوه الإنفاق وكيفيتها والأمور الباعثة عليها (بَصِيرٌ) فيجازي بحسب النيات وخلوص الطويات. ثم إنه سبحانه رغب في الإنفاق المعتبر الجامع لشرائطه وحذر عن ضده بأن ضرب مثالا آخر فقال (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) والهمزة للإنكار البالغ أي لن يود. قرىء له جنات وقد وصف الله تعالى الجنة بثلاثة أوصاف الأول : كونها من نخيل وأعناب كأن الجنة إنما تكوّنت منهما لكثرتهما فيها. الثاني : تجري من تحتها الأنهار ، ولا شك أن ذلك يزيد في رونقها وبهائها. والثالث : فيها من كل الثمرات. وإنما خص النخيل والأعناب أولا بالذكر لأنهما أكرم الشجر أو أكثرها منافع. قال في الكشاف : ويجوز أن يريد بالثمرات المنافع التي كانت تحصل له فيهما كقوله (وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) [الكهف : ٣٤] بعد قوله (جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ) [الكهف : ٣٢]. ثم شرع في بيان شدة حاجة المالك إلى هذه الجنة فقال (وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) أي والحال أنه قد أصابه الكبر. وقال الفراء : إنه معطوف على (يَوَدُّ) واستقام نظر المعنى لأنه يقال : وددت أن يكون كذا ، ووددت لو كان كذا ، فكأنه قيل : أيود أحدكم لو كانت له جنة وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء. وقرىء ضعاف أي صبيان وأطفال (فَأَصابَها إِعْصارٌ) ريح تستدير في الأرض ثم تسطع نحو السماء كالعمود (فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) أي الجنة ولا يخفى أن هذه المثل في المقصود أبلغ الأمثال ، فإن الإنسان إذا كان له جنة في غاية الكمال ، وكان هو في نهاية الاحتياج إلى المال ـ وذلك أوان الكبر مع وجود الأولاد الأطفال ـ فإذا أصبح وشاهد تلك الجنة محترقة بالصاعقة ، فكم يكون في قلبه من الحسرة وفي عينه من الحيرة؟ فكذا الإنفاق نظير الجنة المذكورة وزمان الاحتياج يوم القيامة ، فإذا أتبع الإنفاق النفاق أو المن والأذى كان ذلك كالإعصار الذي يحرق تلك الجنة ويورثه الخيبة والندامة.
التأويل : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) فلهم الجنة ، والذين ينفقون أرواحهم وقلوبهم في سبيل الله فلهم الله ، ومن أعطى تمرة إلى فقير يأخذها الله بيمينه ويربيها كما