بين التحرير والدية ، وأيضا ليقع الافتتاح والاختتام بحق الله تعالى. ويترتب على التحرير قوله : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) أي رقبة بمعنى لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها فعليه صيام شهرين متتابعين. ومتى يعتبر الإعسار ليجوز له العدول إلى الصوم؟ الأصح عند الشافعي وقت الأداء ، وعند بعضهم وقت الوجوب. وأما الشهران فهما هلاليان البتة. نعم لو ابتدأ في خلال الشهر تمم المنكسر ثلاثين. والمراد بالتتابع أن لا يفطر يوما منهما ، فلو أفطر ولو بالمرض وجب الاستئناف إلّا أن يكون الفطر بحيض أو نفاس. وعن مسروق أن الصوم بدل من مجموع الرقبة والدية. (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) أي شرع لكم ما شرع قبولا من الله ورحمة منه من تاب الله عليه إذا قبل توبته. ومعنى التوبة عن الخطأ أنه لا يخلو من ترك احتياط ومن ندم وأسف على ما فرط منه. ويجوز أن يكون المعنى نقلكم من الرقبة إلى الصوم توبة منه أي تخفيفا منه لأن التخفيف من لوازم التوبة. (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بأنه لم يقصد ولم يتعمد (حَكِيماً) محكم الفعل لا يؤاخذ الإنسان بما لا يختار ولا يتعمد. وعند المعتزلة معنى الحكيم أن أفعاله واقعة على قانون الحكمة وقضية العدالة. ثم لما ذكر حكم القتل الخطأ أردفه ببيان حكم القتل العمد وله أحكام وجوب الدية والكفارة عند غير أبي حنيفة ومالك والقصاص كما مر في البقرة ، فلا جرم اقتصر هاهنا على بيان ما فيه من الإثم والوعيد ، ولا يخفى ما في الآية من التخويف والتهديد فلا جرم تمسكت الوعيدية بها في القطع بخلود الفاسق في النار. وأجيب بوجهين : الأول إجماع المفسرين على أنها نزلت في كافر قتل مؤمنا. روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن مقيس بن ضبابة وجد أخاه قتيلا في بني النجار وكان مسلما ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكر له ذلك ، فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم معه رسولا من بني فهر وقال له : ائت بني النجار فاقرأهم السلام وقل لهم : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن ضبابة أن تدفعوه إلى أخيه فيقتص منه ، وإن لم تعلموا له قاتلا أن تدفعوا إليه ديته. فأبلغهم الفهري ذلك عن النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : سمعا وطاعة لله ولرسوله ، والله ما نعلم له قاتلا ولكنا نؤدي إليه ديته فأعطوه مائة من الإبل ثم انصرفا راجعين إلى المدينة وبينهما وبين المدينة قريب ، فأتى الشيطان مقيسا فوسوس إليه فقال : أي شيء صنعت تقبل دية أخيك فيكون عليك مسبة؟ اقتل الذي معك فتكون نفس مكان نفس وفضل الدية. فرمى الفهري بصخرة فشدخ رأسه ثم ركب بعيرا منها وساق بقيتها راجعا إلى مكة كافرا وجعل يقول في شعره :
قتلت به فهرا وحملت عقله |
|
سراة بني النجار أرباب فارع |
وأدركت ثأري واضطجعت موسدا |
|
وكنت إلى الأوثان أول راجع |