جامع بين الصورتين ، فاعلم أن تكليفي في حقك أن تعمل بموجب ذلك الظن. (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ) أي لأجلهم يريد بني ظفر وهم قوم طعمة (خَصِيماً) مخاصما وأصله من الخصم بالضم والسكون وهو ناحية الشيء وطرفه ، وكأن كل واحد من الخصمين في ناحية من الحجة والدعوى. قال بعض الطاعنين في عصمة الأنبياء صلىاللهعليهوسلم : لو لا أن الرسول أراد أن يخاصم لأجل الخائن ويذب عنه لما ورد النهي عنه ولما أمر صلىاللهعليهوسلم بالاستغفار. والجواب أن النهي عن الشيء لا يقتضي كون المنهي مرتكبا للمنهي عنه ، بل ثبت في الرواية أن قوم طعمة لما التمسوا منه صلىاللهعليهوسلم أن يذب عن طعمة ويلحق السرقة باليهودي توقف وانتظر الوحي ، ولعله أمر بالاستغفار لأنه مال طبعه إلى نصرة طعمة بسبب أنه كان في الظاهر من المسلمين وحسنات الأبرار سيئات المقربين ، أو لعل القوم شهدوا بسرقة اليهودي وبراءة طعمة ولم يظهر للرسول صلىاللهعليهوسلم ما يوجب القدح في شهادتهم ، فهم بالقضاء على اليهودي فأطلعه الله تعالى على مصدوق الحال ، أو لعل المراد واستغفر لأولئك الذين يذبون عن طعمة ثم قال : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) يعني طعمة ومن عاونه من قومه ممن علموا كونه سارقا. والاختيان كالخيانة يقال : خانه واختانه ، والعاصي خائن نفسه لأنه يحرم نفسه الثواب ويوصلها إلى العقاب. (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً) قال المفسرون : إن طعمة خان في الدرع وأثم في نسبة اليهودي إلى تلك السرقة. وإنما ورد البناءان على المبالغة والعموم ليتناول طعمة وكل من خان خيانة فلا تخاصم لخائن قط ولا تجادل عنه لأن الله لا يحبه. وأيضا كان الله عالما من طعمة بالإفراط في الخيانة وركوب الإثم. وروي أنه هرب إلى مكة وارتد ونقب حائطا بمكة ليسرق أهله فسقط الحائط عليه فقتله ، ومن كانت تلك خاتمة أمره لا يشك في حاله. وقالت العقلاء : إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أن لها أخوات. وعن عمر أنه أمر بقطع يد سارق فجاءت أمه تبكي وتقول : هذه أول سرقة سرقها فاعف عنه. فقال : كذبت إن الله لا يؤاخذ عبده في أول مرة. وفي الآية دليل على أن من كان قليل الخيانة والإثم لم يكن في معرض السخط من الله. (يَسْتَخْفُونَ) يستترون من الناس حياء منهم وخوفا من ضررهم (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) أي لا يستحيون منه لأن الاستخفاء لازم الاستحياء وهو معهم بالعلم والقدرة والرؤية وكفى هذا زاجرا للإنسان عن المعاصي. (إِذْ يُبَيِّتُونَ) يدبرون (ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) وهو تدبير طعمة أن يرمي بالدرع في دار زيد ليسرق دونه ويحلف ببراءته وتسمية التدبير وهو معنى في النفس قولا ليس فيها إشكال عند القائلين بالكلام النفسي ، وأما عند غيرهم فمجاز ، أو لعلهم اجتمعوا في الليل ورتبوا كيفية المكر فسمى الله تعالى كلامهم ذلك بالقول المبيت الذي لا يرضاه الله ، أو المراد بالقول الحلف الكاذب الذي حلف به بعد أن بيته (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ها للتنبيه في أنتم