المعاصي (مِنْ أَنْصارٍ) ممن ينصرهم من الله ويمنعهم من عقابه. والأنصار جمع ناصر كأصحاب في صاحب ، أو جمع نصير كأشراف في شريف. وقد يتمسك المعتزلة بهذا في نفي الشفاعة لأهل الكبائر ، فإن الشفيع ناصر. ورد بأن الشفيع في العرف لا يسمى ناصرا وإلا كان قوله (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) [البقرة : ٤٨] بعد قوله : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) [البقرة : ٤٨] تكرارا. وأيضا إن هذا الدليل النافي عام في حق كل الظالمين وفي كل الأوقات ، والدليل المثبت للشفاعة خاص في حق البعض وفي بعض الأوقات والخاص مقدم على العام. وأيضا اللفظ لا يكون قاطعا في الاستغراق بل ظاهرا على سبيل الظن القوي فصار الدليل ظنيا والمسألة ليست ظنية فكان التمسك بها ساقطا. سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أصدقة السر أفضل أم صدقة العلانية فنزلت : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) والتركيب موضوع للصحة والكمال ومنه «فلان صادق المودة» و «هذا خل صادق الحموضة» و «صدق فلان في خبر» إذا أخبر على وجه الصحة والكمال ، ومنه «الصداق» لأن عقد الصداق به يتم ويكمل ، والزكاة صدقة لأن المال بها يصح ويبقى وبها يستدل على صدق العبد وكماله في إيمانه ، (فَنِعِمَّا هِيَ) من قرأ بسكون العين فمحمول على أنه أوقع على العين حركة خفيفة على سبيل الاختلاس وإلا لزم التقاء الساكنين على غير حدة ، ومثله ما يروى في الحديث أنه صلىاللهعليهوسلم قال لعمرو بن العاص : «نعم المال الصالح للرجل الصالح» (١) بسكون العين. ومن قرأ بكسر النون والعين فلتحصيل المشاكلة ، ومن قرأ بفتح النون وكسر العين فعلى الأصل. قال طرفة :
نعم الساعون في الأمر المبر
قال سيبويه : «ما» في تأويل الشيء أي نعم الشيء هي. وقال أبو علي : الجيد في مثله أن يقال : «ما» في تأويل شيء لأن «ما» هاهنا نكرة إذ لو كانت معرفة بقيت بلا صلة. فإن «هي» مخصوصة بالمدح. فالتقدير : نعم شيئا إبداء الصدقات. فحذف المضاف للدلالة ، أو نعم شيئا تلك الصدقات ، أو تلك الخصلة وهي الإبداء. قال الأكثرون : المراد بها صدقة التطوع لقوله تعالى : (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) والإخفاء في صدقة التطوع أفضل كما أن الإظهار في الزكاة أفضل أما الأول فلأن ذلك أشق على النفس فيكون أكثر ثوابا ، ولأنه أبعد عن الرياء والسمعة قال صلىاللهعليهوسلم : «لا يقبل الله من مسمع ولا مراء ولا منان» والمتحدث بصدقته لا شك أنه يطلب السمعة ، والمعطي في ملأ من الناس يطلب الرياء ، وقد بالغ قوم في الإخفاء واجتهدوا أن لا يعرفهم الآخذ ، فبعضهم كان يلقي الصدقة في يد
__________________
(١) أحمد في مسنده (٤ / ١٩٧).