الرزاق. ثم قال : (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) أي العهد المؤكد غاية التوكيد على أن يتمسكوا بالتوراة ويعملوا بما فيها. (فَبِما نَقْضِهِمْ) «ما» مزيدة للتوكيد أي فبنقضهم وبسبب كذا وكذا ثم قال : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها) ردّا لقولهم قلوبنا أوعية للعلم وتنبيها على أنه تعالى ختم عليها فلهذا لا يصل أثر الدعوة والبيان إليها ، أو تكذيبا لادعائهم إن قلوبنا في أكنة وذلك بحسب تفسيري الغلف كما مر في سورة البقرة (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا) إيمانا (قَلِيلاً) وهو إيمانهم بموسى والتوراة على زعمهم وإلا فالكافر بنبي واحد كافر بجميع الأنبياء فالقلة في الحقيقة بمعنى العدم (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) فإنكارهم قدرة الله تعالى على خلق الولد من غير أب وكذا إنكارهم نبوة عيسى كفر ونسبتهم الزنا لمريم بهتان عظيم لأنه ظهر لهم عند ولادة عيسى من الكرامات والمعجزات ما دلهم على براءتها من كل سوء (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ) قالوه على وجه الاستهزاء كقول فرعون (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشعراء : ٢٧] أو أنه تعالى جعل الذكر الحسن مكان القبيح الذي كانوا يطلقونه عليه من الساحر ابن الساحرة والفاعل ابن الفاعلة. (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ) أي المقتول (لَهُمْ) لدلالة ذكر قتلنا على المقتول ، أو يكون شبه مسندا إلى الجار والمجرور وهولهم أي وقع لهم التشبيه ، ولا يجوز أن يكون في شبه ضمير المسيح لأنه المشبه به وليس بمشبه. قال أكثر المتكلمين : إن اليهود لما قصدوا قتله رفعه الله إلى السماء فخاف رؤساء اليهود وقوع الفتنة فيما بين عوامهم فأخذوا إنسانا وقتلوه وصلبوه ولبّسوا على الناس أنه هو المسيح ، والناس ما كانوا يعرفون المسيح ، إلّا بالاسم لأنه كان قليل المخالطة مع الناس. وقيل : إنّ اليهود لما علموا أنه في البيت الفلاني مع أصحابه ، أمر يهوذا رأس اليهود رجلا من أصحابه ـ يقال له طيطايوس ـ أن يدخل على عيسى ويخرجه ليقتله ، فلما دخل عليه أخرج الله تعالى عيسى من سقف البيت وألقى على ذلك الرجل شبه عيسى فخرج فظنوا أنه هو المسيح فصلبوه وقتلوه. وقيل : وكلوا بعيسى عليهالسلام رجلا يحرسه وصعد عيسى في الجبل ورفع إلى السماء وألقى الله الشبه على ذلك الرقيب فقتلوه وهو يقول لست عيسى. وقيل : إن رهطا من اليهود سبوه وسبوا أمه فدعا عليهم : اللهم أنت ربي وبكلمتك خلقتني ، اللهم العن من سبني وسب والدتي. فمسخ الله من سبهما قردة وخنازير ، فأجمعت اليهود على قتله فلما هموا بأخذه وكان معه عشرة من أصحابه قال لهم : من يشتري الجنة بأن يلقى عليه شبهي؟ فقال واحد منهم : أنا. فألقى الله شبه عيسى عليه فأخرج وقتل ورفع الله عيسى. وقيل : كان رجل يدعي أنه من أصحاب عيسى وكان منافقا ، فذهب إلى اليهود ودلهم عليه فلما دخل مع اليهود لأخذه