الآية مخصوصة بالتطوع. وجوز أبو حنيفة صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة وأباه غيره ،. ومعنى الآية ليس عليك هدى من خالفك حتى تمنعهم الصدقة لأجل أن يدخلوا في الإسلام فتصدق عليهم لوجه الله ولا توقف ذلك على إسلامهم ، وذلك أنه صلىاللهعليهوسلم كان شديد الحرص على إيمانهم فأعلمهم الله تعالى أنه بعث بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله ومبينا للدلائل فأما كونهم مهتدين فليس ذلك منك ولا بك. فالهدى هاهنا بمعنى الاهتداء ، فسواء اهتدوا أو لم يهتدوا فلا تقطع معونتك وبرك وصدقتك عنهم. وفيه وجه آخر ليس عليك أن تلجئهم إلى الاهتداء بواسطة توقيف الصدقة على إيمانهم ، فإن مثل هذا الإيمان لا ينتفعون به ، بل الإيمان المطلوب منهم هو الإيمان طوعا واختيارا (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) إثبات للهداية التي نفاها أولا. لكن المنفي أولا هو الهداية أي الاهتداء على سبيل الاختيار فكذا الثاني. ومنه يعلم أن الاهتداء الاختياري واقع بتقدير الله تعالى وتخليقه وتكوينه وهذا التفسير هو المناسب لسبب النزول. وفي الكشاف : أن المعنى لا يجب عليك أن تجعلهم مهديين إلى الانتهاء عما نهوا عنه من المن والأذى والإنفاق من الخبيث وغير ذلك ، وما عليك إلا أن تبلغهم النواهي فحسب (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) يلطف بمن يعلم أن اللطف ينفع فيه فينتهي عما نهى عنه. ثم ظاهر قوله : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) إنه خطاب مع النبي صلىاللهعليهوسلم ولكن المراد به هو وأمته ، لأن ما قبله عام (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) وما بعده عام (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) من مال (فَلِأَنْفُسِكُمْ) ثوابه فليس يضركم كفرهم أو فلا تمنوا به على الناس ولا تؤذوهم بالتطاول عليهم (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) أي لستم في صدقتكم على أقاربكم المشركين تقصدون إلا وجه الله من صلة رحم أو سد خلة مضطر ، قد علم الله هذا من قلوبكم. وقيل : خبر في معنى نهي أي لا تنفقوا إلا لله. وقيل : معناه لا تكونوا منفقين مستحقين لهذا الاسم المفيد للمدح حتى تبتغوا وجه الله ، وقيل : ليست نفقتكم إلا لطلب ما عند الله فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يوجه مثله إلى الله؟ وفائدة إقحام الوجه أنك إذا قلت فعلته لوجه زيد كان أشرف من قولك فعلته له ، لأن وجه الشيء أشرف ما فيه ، ثم كثر حتى عبر به عن الشرف مطلقا. وأيضا قول القائل : «فعلت هذا الفعل له» احتمل الشركة وأن يكون قد فعله لأجله ولغيره ، أما إذا قال «فعلت لوجهه» فلا يحتمل الشركة عرفا (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) جزاؤه في الآخرة أضعافا مضاعفة ، وإنما حسن قوله (إِلَيْكُمْ) مع التوفية لأنها تضمنت معنى التأدية (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئا.
ثم لما بيّن أنه يجوز صرف الصدقة إلى أي فقير كان ، أراد أن يبين أن أشد الناس