وهذا معجز لأنه لم يقرأ كتابا وقد أخبرهم بأسرار كتابهم (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) مما تخفونه فلا يبينه مما لا تمس إليه حاجة في هذا الدين. وعن الحسن : ويعفو عن كثير منكم لا يؤاخذه بجرمه (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ) محمد أو الإسلام (وَكِتابٌ مُبِينٌ) هو القرآن لإبانته ما كان خافيا على الناس من الحق ، أو لأنه ظاهر الإعجاز ، ويحتمل أن يكون النور والكتاب هو القرآن والمغايرة اللفظية كافية بين المعطوفين. ولا شك أن القرآن نور معنوي تتقوى به البصيرة على إدراك الحقائق والمعقولات. (يَهْدِي بِهِ اللهُ) أي بالكتاب (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) من كان مطلوبه اتباع الدين الذي يرتضيه الله لا الذي ألفه بحسب هواه (سُبُلَ السَّلامِ) طرق السلامة أو طرق دار السلام أو سبيل دين الله (إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) بناء على جواز الحلول (فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) من الذي يقدر على دفع شيء من أفعال الله ومنع شيء من مراده. وقوله : (إِنْ أَرادَ) شرط جزاء آخر محذوف يدل عليه ما تقدمه والمعنى إن أراد (أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ) المدعو إلها وغيره فمن الذي يقدر على أن يدفعه عن مراده ومقدوره؟؟؟ والمراد بعطف من في الأرض على المسيح وأمه أنهما من جنسهم وشكلهم في الصورة والخلقة والجسمية والتركيب وسائر الأعراض. فلما سلمتم كونه تعالى خالقا لغيرهما وجب أن يكون خالقا لهما ومتصرفا فيهما. وإنما قال : (وَما بَيْنَهُما) بعد ذكر السموات والأرض ولم يقل «بينهن» لأنه أراد الصنفين أو النوعين. وفي قوله : (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) وجهان : أحدهما يخلق تارة من ذكر وأنثى ، وتارة من أنثى فقط كما في حق عيسى ، وتارة من غير ذكر وأنثى كآدم عليهالسلام. وثانيهما أن عيسى إذا قدر صورة الطير من الطين فإن الله تعالى يخلق فيها اللحمية والحياة معجزة لعيسى ، وكذا إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) قيل : عليه أن اليهود لا يقولون ذلك فكيف يجوز نقل ذلك عنهم؟ وأما النصارى فلا يقولون ذلك في حق أنفسهم. وأجيب بأن المضاف محذوف أي نحن أبناء رسل الله أو أريد إن عناية الله تعالى بحالهم أكمل وأشد من اعتناء الأب بالابن ، أو اليهود زعموا أن عزيرا ابن الله ، والنصارى أن المسيح ابن الله. وقد يقول أقارب الملوك وحشمه نحن الملوك وغرضهم كونهم مختصين بذلك الشخص الذي هو الملك. عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم دعا جماعة من اليهود إلى دين الإسلام وخوفهم بعقاب الله فقالوا : كيف تخوفنا بعقاب الله ونحن أبناء الله وأحباؤه؟ ومما يتلو النصارى في الإنجيل الذي لهم أن المسيح قال لهم : إني ذاهب إلى أبي وأبيكم. ثم إنه سبحانه أبطل عليهم دعواهم بقوله : (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) فسئل أن موضع الإلزام هو عذاب الدنيا فحينئذ تمكن المعارضة بوقعة أحد وبقتل أحباء الله كالحسن والحسين عليهماالسلام أو عذاب الآخرة. فالقوم ينكرون