كان العقل قرين القلب صار عقالا له ، وإذا كان قرين النفس حرضها على العبودية فرضي هابيل القلب وسخط قابيل النفس وكان صاحب زرع أي مدبر النفس النامية وهي القوّة النباتية ، فقرب طعاما من أردإ زرعه وهي القوّة الطبيعية ، وكان هابيل القلب راعيا لمواشي الأخلاق الإنسانية والصفات الحيوانية فقرب الصفة البهيمية وهي أحب الصفات إليه لاحتياجه إليها لضرورة التغذي والبقاء ولسلامتها بالنسبة إلى الصفات السبعية والشيطانية. فوضعا قربانهما على جبل البشرية ثم دعا آدم الروح فنزلت نار المحبة من سماء الجبروت فحملت الصفة البهيمية لأنها حطب هذه النار ولم تأكل من قربان قابيل النفس شيئا لأنها ليست من حطبها بل هي حطب نار الحيوانية (تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) أي إثم وجودي وإثم وجودك ، فإن الوجود حجاب بيني وبين محبوبي. فقتل قابيل النفس هابيل القلب والنفس أعدى عدو القلب (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) أما في الدنيا فبالحرمان عن الواردات والكشوف ، وأما في الآخرة فبالبعد عن جنات الوصول (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً) هو الحرص في الدنيا ليشغل بذلك عن فعلتها. وفي تعليم الغراب إشارة إلى أنه تعالى قادر على تعليم العباد بأي طريق شاء فيزول تعجب الملائكة والرسل باختصاصهم بتعليم الخلق (فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) أي في أرض البشرية (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ) أولياء الله (أَنْ يُقَتَّلُوا) بسكين الخذلان (أَوْ يُصَلَّبُوا) بحبل الهجران على جذع الحرمان (أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ) عن أذيال الوصال (وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) عن الاختلاف (أَوْ يُنْفَوْا) من أرض القربة والائتلاف (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) جعل الفلاح الحقيقي في أربعة أشياء : في الإيمان وهو إصابة رشاش النور في بدو الخلقة وبه يخلص العبد من ظلمة الكفر ، وفي التقوى وهو منشأ الأخلاق المرضية ومنبع الأعمال الشرعية وبه الخلاص عن ظلمة المعاصي ، وفي ابتغاء الوسيلة وهو إفناء الناسوتية في بقاء اللاهوتية وبه يخلص من ظلمه أوصاف الوجود ، وفي الجهاد في سبيله وهو محو الأنانية في إثبات الهوية وبه يخلص من ظلمة أوصاف الوجود ويظفر بنور الشهود (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) لأنهم خلقوا مظاهر القهر (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) كانا مقطوعي الأيدي عن قبول رشاش النور فكان تطاول أيديهما اليوم إلى أسباب الشقاوة من نتائج قصر أيديهما عن قبول تلك السعادة. (جَزاءً بِما كَسَبا) الآن في عالم الصورة (نَكالاً مِنَ اللهِ) تقديرا منه في الأزل.
(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا