والجهل. قال بعض الحكماء : أشرف الحركات الصلاة وأنفع السكنات الصيام.
التأويل : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) أي بالحقيقة لأنه أنزل على قلبه وأنزل سائر الكتب في الألواح والصحف فلهذا كان خلقه القرآن. وكان مهيمنا على جميع الكتب تصديقا عيانيا لا بيانيا بحيث يشاهد قلب المنزل عليه بنوره حقائق جميع الكتب وأسرارها بخلاف ما أنزل في الألواح فإن الألواح لا تشهد ولا تشاهد حقائق الكتب ومعانيها. (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ) معاشر الأنبياء (شِرْعَةً) يشرع فيها بالبيان (وَمِنْهاجاً) يسلك فيه بالعيان (وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ) أيها الأمم (فِي ما آتاكُمْ) من البيان والتبيان والحجج والبرهان والعزة والسلطان ، فابتلاكم بزينة الدنيا واتباع الهوى ونيل المنى والرفعة بين الورى والنجاة في العقبى ليهتدي التائبون بالبيان ، ويستفيد العاملون بالبرهان ، ويحكم العارفون بالسلطان بل يقصد الزاهدون برفض الدنيا ويقدم العابدون بنهي الهوى ، ويسلك المشتاقون بنفي المنى ، ويجذب العارفون بترك الورى ، ويسلب الواصلون بالسلو عن الدنيا والعقبى (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) من هذه المقامات (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) اختيارا بقدم الصدق أو اضطرارا بحلول الأجل (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن قبول الحق (فَاعْلَمْ) بمطالعة القضاء (أَنَّما يُرِيدُ اللهُ) في حكم القدر (أَنْ يُصِيبَهُمْ) مصيبة الإعراض (بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) وهو الاعتراض ، فإن الحق سبحانه يلزم بشرط التكاليف ويقدمهم ويؤخرهم بعين التصريف. فالتكليف فيما أوجب والتصريف فيما أوجدوا العبرة بالإيجاد لا بالإيجاب (لَفاسِقُونَ) لخارجون عن جذبات العناية (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) أيطلبون منك أن تحيد عن المحجة المثلى بعد ما طلعت شموس الدنيا وسطعت براهين اليقين وانهتكت أستار الريب واستنار القلب بأنوار الغيب (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) لأن شبيه الشيء منجذب إليه (أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) فتح عيون القلوب (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) وهو الجذبة التي توازي عمل الثقلين (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) بأنوار الغيوب في أستار القلوب (فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) بإبطال الاستعداد الفطري. (بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) هم أرباب السلوك أفناهم عنهم بسطوات يحبهم ثم أبقاهم به عند هبوب نفحات يحبونه ، فإن محبة الله للعبد إفناء الناسوتية في بقاء اللاهوتية ، ومحبة العبد لله إبقاء اللاهوتية في فناء الناسوتية. والشيخ نجم الدين الرازي المعروف بداية رضياللهعنه قد عكس القضية ، فلعله فهم غير ما فهمنا. ثم قال إنه تعالى يحب العبد بصفته ذاته أزلا وهي الإرادة القديمة المخصوصة بالغاية ، والعبد يحب الله بذات تلك الصفة أبدا (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) لارتفاع الأنانية (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) ببقاء اللاهوتية وإثبات الوحدانية (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) في طلب الحق في البداية ببذل الوجود (وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) عند غلبات الوجد في