ترك الزيادات كما قال : «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» (١) و (ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) تركوا ما سوى الله في طلبه (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إيمانا حقيقيا. (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) لم تتركوا كل زيادة تمنعكم (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) ببعد منهما وبغض. (وَإِنْ تُبْتُمْ) تركتم غيره (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) وهي الكرامة التي فضلكم بها على كثير من خلقه وهي المحبة يحبهم ويحبونه (لا تَظْلِمُونَ) بوضع محبتي في غير موضعها من المخلوقات (وَلا تُظْلَمُونَ) بوضع محبتكم في غير موضعها. (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) لم يصل إليه ما أعد لأجله عاجلا (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) وهو وقت وصوله إليه آجلا (وَأَنْ تَصَدَّقُوا) تبذلوا فينا ما تتمنون من صنوف برنا في الدنيا والعقبى على قدر همتكم فهو (خَيْرٌ لَكُمْ) لأنا نجازيكم على قدر مواهبنا (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) قدرها (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين» (٢) ثم إنه سبحانه كما جمع في القرآن خلاصة الكتب السماوية جمع في خاتمة الوحي خلاصة أي القرآن فقال : (وَاتَّقُوا يَوْماً) الآية. وذلك أن فائدة جميع الكتب راجعة إلى معنيين : النجاة من الدركات السفلى وهي سبعة : الكفر والشرك والجهل والمعاصي والأخلاق المذمومة وحجب الأوصاف وحجاب النفس. والفوز بالدرجات العلى وهي ثمانية : المعرفة والتوحيد والعلم والطاعات والأخلاق المحمودة وجذبات الحق والفناء عن أنانيته والبقاء بهويته. فقوله (وَاتَّقُوا) شامل لما يتعلق بالسعي الإنساني من هذه المعاني ، لأن حقيقة التقوى مجانبة ما يبعدك عن الله ومباشرة ما يقربك إليه ، فتقوى العام الخروج بسبب الإقامة بشرائط (جاهَدُوا فِينا) [العنكبوت : ٦٩] عن الكفر بالمعرفة ، وعن الشرك بالتوحيد ، وعن الجهل بالعلم ، وعن المعاصي بالطاعات ، وعن الأخلاق المذمومة بالأخلاق المحمودة. ثم من هاهنا تقوى الخاص تخرجهم جذبات (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩] من حجب أوصافهم إلى درجة تجلي صفات الحق فيستظلون بظل سدرة المنتهى (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) [النجم : ١٥] فينتفعون بمواهب (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) [النجم : ١٦] ثم من هاهنا تقوى خاص الخاص فتخرجه العناية بجذبات (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) [النجم : ١٧] من سدرة المنتهى الأوصاف إلى قاب قوسين نهاية حجاب النفس وبدية أنوار القدس. وهناك من عرف نفسه فقد عرف ربه وهو مقام أو أدنى ترجعون فيه إلى الله. لأن مبدأ وجودك النفخة ، وآخر حالك الجذبة ، وبها
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب الزهد باب ١١. ابن ماجه في كتاب الفتن باب ١٢. الموطأ في كتاب حسن الخلق حديث ٣.
(٢) رواه الترمذي في كتاب ثواب القرآن باب ٢٥. الدارمي في كتاب فضائل القرآن باب ٦.