بمقدمه ، وقيل : الخطاب لمن آمن من قريش كقوله (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) [يس : ٦] (قُلِ اللهُ) أي أنزله الله فإنهم لا يقدرون على أن ينكروا ذلك فإن العقل السليم والطبع المستقيم يشهد بأن الكتاب الموصوف المؤيد قول صاحبه بالمعجزات الباهرة لا يكون إلا من الله سبحانه. ونظيره (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ) [الأنعام : ١٩] والمقصود أنه بلغت هذه الدلالة إلى حيث يجب على كل عاقل أن يعترف بها ، فسواء أقر الخصم به أو لم يقر فالغرض حاصل. (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) يقال لمن كان في عمل لا يجدي عليه إنما أنت لاعب و (يَلْعَبُونَ) حال من (ذَرْهُمْ) أو من (خَوْضِهِمْ) ويحتمل أن يكون (فِي خَوْضِهِمْ) حالا من (يَلْعَبُونَ) وأن يكون صلة له أو لـ (ذَرْهُمْ). والمعنى أنك إذا أقمت الحجة عليهم وبلغت في الأعذار والإنذار هذا المبلغ العظيم فقد قضيت ما عليك كقوله (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) [الشورى : ٤٨] قيل : إنها منسوخة بآية السيف وفيه نظر لأنه مذكور لأجل التهديد فلم يكن نزول آية القتال رافعا لشيء من مدلولات هذه الآية. ثم لما ذكر حال التوراة أعقبه بذكر القرآن فقال (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ) وفائدة هذا الوصف أنه كان من الممكن أن يظن أن محمدا مخصوص من الله بعلوم كثيرة يتمكن بسببها من تركيب القرآن على هذا النسق من الفصاحة ، فنفى ذلك الوهم وبين أن الله هو الذي تولى إنزاله بالوحي على لسان جبريل عليهالسلام (مُبارَكٌ) كثير خيره دائم نفعه باعث على الخيرات زاجر عن المنكرات لما فيه من أصول العلوم النظرية والعملية. وقد جرت سنة الله تعالى بأن الباحث عنه والمتمسك به يفوز بعز في الدنيا وسعادة في الآخرة وقد جرب فوجد كذلك. (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي موافق لما قبله من الكتب الإلهية. أما في الأصول فلأنه يمتنع وقوع التفاوت فيها بحسب الأزمنة والأمكنة ، وأما في الفروع فلأنها مشتملة على التبشير بمقدم محمد صلىاللهعليهوسلم. ويحصل منه أن التكاليف الموجودة فيها إنما تبقى إلى وقت ظهوره ثم تصير منسوخة (وَلِتُنْذِرَ) من قرأ بتاء الخطاب فظاهر ، ومن قرأ على الغيبة فلأنه أسند الإنذار إلى الكتاب مجازا لأنه سبب الإنذار (إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) [الأنبياء : ٤٥] وهو معطوف على ما دل عليه سائر الأوصاف كأنه قيل : أنزلناه للبركة ولتصديق ما تقدمه من الكتب وللإنذار ، قال ابن عباس : سميت مكة أم القرى لأن الأرضين دحيت من تحتها. وقال أبو بكر الأصم : لأنها قبلة أهل الدنيا فصارت هي كالأصل وسائر البلاد تبعا ، وأيضا الناس يجتمعون إليها للحج وللتجارة كما يجتمع الأولاد إلى الأم. وقيل : لأن الكعبة أول بيت وضع للناس. وقيل : إن مكة أول بلدة في الأرض ولا بد من تقدير مضاف محذوف أي أهل أم القرى ومن حولها. قيل : المراد أهل جزيرة العرب فاستدل اليهود بذلك على أنه مبعوث إلى العرب فقط. وأجيب بأن تخصيص هذه المواضع بالذكر لا يدل على نفي ما عداها لا سيما وقد