نفسه فتولد من شكه الشيطان. والأقلون منهم قالوا إنه قديم أزلي والحاصل أنهم يقولون : عسكر الله تعالى هم الملائكة ، وعسكر إبليس هم الشياطين والملائكة فيهم كثرة عظيمة وهم أرواح طاهرة مقدسة تلهم الأرواح البشرية الطاعات ، والشياطين فيهم أيضا كثرة عظيمة يلقون الوساوس إلى الأرواح البشرية ، والله تعالى مع عسكره يحاربون إبليس مع عسكره فلهذا السبب حكى الله تعالى عنهم أنهم أثبتوا لله شركاء من الجن بلفظ الجمع وإن كان شريكه عندهم بالحقيقة واحدا وهو أهرمن. وانتصاب (الْجِنَ) على أنه بدل أو بيان لشركاء أو على أنه مفعول أول لـ (جَعَلُوا) و (شُرَكاءَ) ثانيه ويكون (لِلَّهِ) طرفا لغوا. وفائدة تقديم المفعول الثاني على هذا القول استعظام أن يتخذ لله شريك كائنا من كان ، ملكا أو جنيا أو إنسيا ، ولذلك قدم اسم الله على الشركاء. وقرىء (الْجِنَ) بالرفع كأنه قيل : من هم؟ فقيل : الجن. وبالجر على الإضافة التي للتبيين. وقيل : إن الآية نزلت في الكفار الذين جعلوا الملائكة بنات الله. وحسن إطلاق الجن على الملائكة لاستتارهم عن العيون. ومعنى كونها شركاء أنها مدبرة لأحوال هذا العالم ومعينة لله إعانة الولد للوالد. وعن الحسن وطائفة من المفسرين : أن المراد أن الجن دعوا الكفار إلى عبادة الأصنام وإلى القول بالشركة فأطاعوهم كما يطاع الله. أما قوله (وَخَلَقَهُمْ) فإشارة إلى الدليل القاطع على إبطال الشريك. والضمير فيه إما أن يعود إلى الجن أو إلى الجاعلين فإن عاد إلى الجن فإن قلنا إن الآية نزلت في المجوس فتقريره أن الأكثرين منهم معترفون بأن إبليس محدث ولو لم يعترفوا بذلك والبرهان العقلي قائم على أن ما سوى الحق الواحد ممكن لذاته ، وكل ممكن لذاته فهو محدث ، فنقول حينئذ ، كل محدث مخلوق وله خالق وما ذاك إلا الله سبحانه ، وحينئذ يلزمهم نقض قولهم لأنه ثبت أن إله الخير قد فعل أعظم الشرور وهو خلق إبليس الذي هو مادة كل شر. وإن قلنا : إنها نزلت في كفار العرب القائلين الملائكة بنات الله ، فظاهر لأنهم يسلمون أن الملائكة مخلوقون وأنهم تولدوا منه تولد الولد من الوالد. وإن عاد الضمير إلى الجاعلين فالمعنى : وعلموا أن الله خالقهم دون الجن كقوله (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٢٥] ولم يمنعهم علمهم أن يتّخذوا من لا يخلق شريكا للخالق. والجملة في موضع الحال أي وقد خلقهم. وقرىء (وَخَلَقَهُمْ) بسكون اللام أي اختلاقهم للإفك يعني جعلوا لله خلقهم حيث نسبوا قبائحهم إلى الله في قولهم (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨] ثم حكي عن قوم آخرين نوعا آخر من الإشراك فقال (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ) وذلك قول أهل الكتابين في المسيح وعزير ، وقول قريش في الملائكة ، ومن هنا يعلم ضعف قول من قال (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) نزل في كفار قريش لأنه يلزم التكرار من غير فائدة ظاهرة ، يقال : خرق الإفك وخلقه واخترقه واختلقه