سكرات الموت ، وانقطاع تعلق الروح عن البدن ، وإخراج النفس عن القالب كرها لتعلقها بالشهوات واللذات وطلب الرياسات ، ويكون شدة النزع والهوان بحسب التعلقات (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) عن الدنيا وما يتعلق بها ، أو فرادى عن تعلقات الكونين (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) في أوّل خلقة الروح قبل تعلقه بالقالب. (وَتَرَكْتُمْ) بالتجريد عن الدنيا وبالتفريد عن الدنيا والآخرة (ما خَوَّلْناكُمْ) من تعلق الكونين (وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ) الأعمال والأحوال التي ظننتم أنها توصلكم إلى الله (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) وبينها عند انتهاء سيركم كما انتهى سير جبريل عند سدرة المنتهى ، وحينئذ لا يصل إلى الوحدة إلا بجذبة (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) [الفجر : ٢٨] ولو لم تدركه الجذبة المسندة إلى العناية لانقطع عن السير في الله بالله ونفى السدرة وهو يقول (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤] (إِنَّ اللهَ فالِقُ) حبة الذرة التي أخذ منها الميثاق المودعة في حبة القلب عن نبات المحبة ، وفالق النوى ذكر لا إله إلا الله في أرض القلب عن شجرة الإيمان ، كلمة طيبة كشجرة طيبة يخرج نبات المحبة التي هي من صفات الحي القيوم من الذرة الميتة الإنسانية ، ومخرج الأفعال الطبيعية التي هي من صفات الكفار الموتى من المؤمن الحق في الدارين. وأيضا يخرج نخل الإيمان الحق من نوى الحروف الميتة في كلمة لا إله إلا الله ، ومخرج ميت النفاق من الكلمة الحية وهي لا إله إلا الله (فالِقُ الْإِصْباحِ) فالق ظلمة الجمادية بصباح العقل والحياة والرشاد ، وفالق ظلمة الجهالة بصباح الفهم والإدراك ، وفالق ظلمات العالم الجسماني بتخليص النفس القدسية إلى صحبة عالم الأفلاك ، وفالق ظلمات الاشتغال بعالم الممكنات بصباح نور الاستغراق في معرفة مدبر المحدثات والمبدعات. وبالجملة فالق أنوار الروح عن ظلمة ليل البشرية ، وجاعل ليل البشرية سترا عن ضياء شمس الروح ليسكن فيه النفس الحيوانية والأوصاف البشرية (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) يعني تجلي شمس الروحانية وطلوع قمر القلب بالحساب لئلا يفسد أمر القلب والقالب. وأيضا تجلى شمس الربوبية وطلوع قمر الروحانية لليل البشرية بالحساب لئلا يفسد أمر الدين والدنيا على العبد بالتفريط والإفراط ، فإن إفراط طلوع شموس المعارف والشهود آفة «أنا الحق وسبحاني» وفي تفريطه آفة أنا ربكم الأعلى وعبادة الهوى. (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) الذي لا يهتدى إليه إلا به (الْعَلِيمِ) بمن يستحق الاهتداء إليه (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ) نجوم أنوار الغيوب في سموات القلوب (لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ) بر البشرية وبحر الروحانية إلى عالم الربوبية. (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) أرواحكم من روح واحد هو روح محمد صلىاللهعليهوسلم «أول ما خلق الله روحي كما خلق أجسادكم من جسد واحد هو جسد آدم أبي البشر» فمن الأرواح ما تعلق بالأجساد واستقر وما هو بعد