وقوله : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي خارجين عن قدرتتا وحكمنا إشارة إلى قهره ، يقال : أعجزه الشيء أي فاته. فالجزم في جانب الوعد والتعريض في جانب الوعيد دليل على أن جانب الرحمة والإحسان أغلب. ثم أمر نبيه صلىاللهعليهوآله بتهديد منكري البعث فقال : (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) قال الواحدي : قراءة الإفراد أوجه لأن المصدر لا يجمع في أغلب الأحوال ، وقال في الكشاف : المكانة تكون مصدرا. يقال : مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكين. وبمعنى المكان يقال مكان ومكانة ومقام ومقامة ، فمعنى الآية اعملوا على نمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم ، أو اعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها. يقال للرجل : على مكانتك يا فلان أي اثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه (إِنِّي عامِلٌ) على مكانتي التي أنا عليها. والمعنى اثبتوا على كفركم وعداوتكم لي فإني ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم ، والغرض تفويض الأمر إليهم على سبيل التهديد كقوله (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤٠] (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) أينا تكون له العاقبة المحمودة ، والفاء لتعقيب الجزاء ألا يعادي أي قل اعملوا فستجزون وهكذا في سورة الزمر بخلاف سورة هود حيث لم يقل هناك «قل» فصار استئنافا ومحل «من» نصب إن كان بمعنى «الذي» أو رفع والجملة مفعول تعلمون إن كان بمعنى أيّ و (عاقِبَةُ الدَّارِ) العاقبة الحسنى التي خلق الله هذه الدار لها وهي مصدر كالعافية. وهذا طريق من الإنذار لطيف المسلك فيه إنصاف وأدب ووثوق بأن المنذر محق ولهذا قيل له فإن الكافر تكون العاقبة عليه لا له.
ثم حكى أنواعا من جهالاتهم وركاكات أقوالهم تنبيها على ضعف عقولهم وقلة محصولهم وتنفيرا للعقلاء عن الالتفات إلى أقوال أمثالهم فقال : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ) قال الزجاج : وجعلوا لله نصيبا ولشركائهم نصيبا بدليل قوله : (فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا) وجعل الأوثان شركاء لأنهم جعلوا لها نصيبا من أموالهم ينفقونها عليها. ثم قال : (فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ) وفي تفسيره وجوه : قال ابن عباس : كان المشركون يجعلون لله تعالى من حروثهم وأنعامهم نصيبا وللأوثان نصيبا ، فما كان للصنم أنفقوه عليه وما كان لله أطعموه الضيفان والمساكين ولا يأكلون منه البتة. ثم إن سقط شيء مما جعلوه لله في نصيب الأوثان تركوه وقالوا إن الله غنيّ عن هذا ، وإن سقط شيء مما جعلوا للأوثان في نصيب الله تعالى أخذوه وردّوه إلى نصيب الصنم وقالوا : إنه فقير. وإنما ذلك لحبهم آلهتهم وإيثارهم لها. وعن الحسن والسدي : كان إذا هلك لأوثانهم شيء أخذوا بدله مما لله ولا يفعلون مثل ذلك فيما لله تعالى. وقال مجاهد : إنه إذا انفجر من سقى ما جعلوه للشيطان في نصيب الله عزوجل