قال الجوهري : بيت العدوّ أي أوقع بهم ليلا والاسم البيات. وفي الكشاف أنه مصدر بات الرجل بياتا حسنا. وعلى القولين فإنه وقع موقع الحال بمعنى بائتين أو مبيتين. ثم قال : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) والجملة حال معطوفة على (بَياتاً) كأنه قيل : فجاءها بأسنا مبيتين أو بائتين أو قائلين. وإنما حسن ترك الواو هاهنا من الجملة الاسمية الواقعة حالا لأن واو الحال قريب من واو العطف لأنها استعيرت منها للوصل فالجمع بين حرف العطف وبينه جمع بين المثلين وذلك مستثقل. فقولك : جائني زيد راجلا أو هو فارس. كلام فصيح ، ولو قلت : جاءني زيد هو فارس كان ضعيفا. وقال بعض النحويين : الواو محذوفة مقدرة ورده الزجاج لما قلنا. أما معنى القيلولة فالمشهور أنها نومة الظهيرة. وقال الأزهري : هي الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن نوم لقوله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) [الفرقان : ٢٤] والجنة لا نوم فيها وإنما خص وقتا البيات والقيلولة لأنهما وقتا الغفلة والدعة فيكون نزول العذاب فيهما أشد وأفظع. وكأنه قيل للكفار لا تغتروا بالفراغ والرفاه والأمن والسكون فإن عذاب الله إنما يجيء دفعة من غير سبق أمارة.
أيا راقد الليل مسرورا بأوّله |
|
إن الحوادث قد يطرقن أسحارا |
فقوم لوط أهلكوا وقت السحر ، وقوم شعيب وقت القيلولة. ثم قرر حالهم عند مجيء البأس فقال : (فَما كانَ دَعْواهُمْ) أي ما كانوا يدعونه من قبل دينهم وينتحلونه من مذهبهم إلا اعترافهم ببطلانه وفساده والإقرار بالإساءة والظلم على أنفسهم. وقال ابن عباس : فما كان تضرعهم واستغاثتهم إلا قولهم هذا وذلك إقرار منهم على أنفسهم بالشرك. وقال أهل اللغة : الدعوى اسم يقوم مقام الدعاء. حكى سيبويه اللهم أشركنا في صالح دعاء المسلمين ودعوى المسلمين أي فما كان دعاؤهم ربهم إلا اعترافهم بعلمهم أن الدعاء لا ينفعهم فلا يزيدون على ذم أنفسهم وتحسرهم على ما فرط منهم وفرطوا فيه. ومحل (دَعْواهُمْ) وعلى عكسه محل (أَنْ قالُوا) يجوز أن يكون نصبا أو رفعا كما سبق في إعراب قوله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) [الأنعام : ٢٣] ثم ذكر على ترك القبول والمتابعة وعيدا آجلا فقال : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) نسأل المرسل إليهم عما أجابوا به رسلهم كقوله : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) [القصص : ٦٥] (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) عما أجيبوا به كما قال : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ) [المائدة : ١٠٩] ثم قال : (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ) أي على الرسل والمرسل إليهم ما كان منهم (بِعِلْمٍ) عالمين بأحوالهم الظاهرة والباطنة وأقوالهم وأفعالهم (وَما كُنَّا غائِبِينَ) عنهم وعما وجد منهم. فإن قيل : ما الفائدة في سؤال المرسل إليهم بعد ما أخبر عنهم أنهم اعترفوا بذنوبهم؟ فالجواب أنهم لما